التدريب على مهارة كتابة سيرة ذاتية أو غيرية
درس في مادة اللغة العربية (مكون التعبير والإنشاء) مهارة التخيل والإبداع: التدريب على مهارة كتابة سيرة ذاتية أو غيرية لتلاميذ السنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي.
I – الابداع والتخيل: السيرة الذاتية والسيرة الغيرية:
1 – التعريف بالمهارة:
السيرة فن أدبي يهتم بتصوير حياة شخصية من الشخصيات ونقل تفاصيلها أو محطاتها البارزة إلى القراء، والسيرة نوعان:
أ – السيرة الذاتية:
السيرة الذاتية: هي فن أدبي يحكي فيه الكاتب عن حياته (أو جزء منها)، وقد يعترف بالأخطاء التي ارتكبها في مرحلة ما من حياته، وغالبا ما يقدم الكاتب ميثاقا للترجمة الذاتية يعد فيه القارئ أن يقول الحقيقة عما عاشه هو بالذات، وتكتب السيرة الذاتية بضمير المتكلم، مع تحديد الحدث أو الأحداث (الزمان، المكان …)، ويكون فيها الكاتب هو الشخصية الرئيسية أو البطل. وقد سبق لبعض الكتاب أن حكوا عن حياتهم باستعمال ضمير الغائب، مثل: طه حسين في كتابه «الأيام».
مثال عن السيرة الذاتية:
«فتحت عيني فإذا أنا في منزل قديم يحيط به الغموض والإبهام، كانت حديقة كبيرة تقع خلفه كثيرا ما أشرفت عليها من النافذة، وتقع أمامه حديقة صغيرة يحدها حاجز حديدي طويل يقوم بين المنزل والشارع ويخترقها ممشى قصير يفضي إلى بوابة عالية من حديد. كان البيت يتألف من ثلاثة أدوار، كبير الأبهاء والغرف ضخم النوافذ ملون الزجاج. وكانت هذه الأوصاف تجعلني لا أطمئن إليه أبدا. ولم يكن للحديقة الخلفية الكبيرة بستاني، ولذلك كانت وحشية النباتات، تنتهي بأشجار ضخمة تبعث رعباً مبهما في النفس. وكنت أرى من آن لآخر هرّا أو كلبا يجري خلال الأعشاب، ثم يقفز فوق الحاجز ويختفي. وكثيرا ما ساءلت نفسي عن هذه الأشياء التي تتحرك ومع ذلك فهي ليست في شكل الإنسان، وما أزال أذكر أن هرًّا عظيم الهامة داهمني ذات يوم، فصرخت حتى كاد يغمى عليّ. ومما زاد في يقيني بأن هذه المخلوقات مخلوقات شريرة أن أهل المنزل كانوا يطاردونها. وكانت النوافذ الضخمة ذات الزجاج الملون تثير في نفسي القلق لضخامتها وللأضواء الملونة الحزينة التي كانت تنفذ منها، أضف إلى هذا الضباب والثلوج وشدة البرد، فقد تعاون ذلك كله على إثارة خيالي العاجز، حتى تأصل الرعب في نفسي.أما الأشخاص الذين كانوا حولي فهم أبي وأمي والمربية. وكانت علاقتي بالمربية أمتن من علاقتي بأبي الذي كان يغيب عن المنزل طول النهار فلا أراه إلا ليلاً، وأمتن من علاقتي بأمي فقد كانت شابة ضعيفة، لا تمكنها صحتها الواهية من الاهتمام بي. وكانت المربية مثلنا من مراكش، ولم أكن أفارقها لا في الليل ولا في النهار، وكنت أستغرب لكثرة ما تعرف، فهي لا تنفك تحدثني عن بلاد بعيدة تقول إننا جئنا منها، بلاد تشبه أحداثها أحداث الخرافات والأساطير، وكانت تروي لي كذلك أقاصيص الصغار. وقد كان لمثل هذه الأساطير عليّ تأثير شديد حتى نشأ عندي بعد ذلك ميل إليها، وقد أثارت في نفسي عالما يعج بالأشباح والحيوانات والمخلوقات الخيالية».في الطفولة لعبد المجيد بن جلونب – السيرة الغيرية:السيرة الغيرية: هي أن يكتب المؤلف عن شخصية أخرى، وهو في هذه الحالة يتمثل تلك الشخصية في البيئة والزمان اللذين عاش فيهما، معتمدًا على الذاكرة أو المشاهدة، ملتزمًا الحياد فيما يكتب. وهي تناول حياة شخص جدير بالاهتمام، له مكانة في المجتمع، أو حقق إنجازات …، وبالتالي فأنت ستكتب عن غيرك باستعمال ضمير الغائب (هو/هي) مع تحديد وتنظيم الأحداث وضبط علاقة بطلك بالشخصيات الأخرى واستحضار الزمان والمكان وتوظيف السرد والوصف، مع توخي الدقة والموضوعية والحياد في نقل الأحداث والوقائع، كما أنك ملزم بتعدد مصادرك عن الشخصية. ويجب على كاتب السيرة الغيرية أن يلتزم بعدة أمور، منها:
- ألا يسبق الزمن: فيقول عند حديثه عن شاعر مثلًا “ولد الشاعر الكبير …” لأنه لم يكن شاعرًا ولم يكن كبيرًا يوم ولد.
- ألاّ يستخدم الأعمال الأدبية للشاعر أو الأديب في الدلالة على شخصيته، لأن عبارة “حياة الشاعر فلان من خلال شعره” عبارة مضللة، صحيح أن القصيدة تحوي التعبير عن نفس الشاعر، وأن القصة يكون جانب منها جزءًا من شخصية كاتبها، وأن كاتب المسرحية قد يوزع بعض خصائصه وصفاته الشخصية على عدد من شخصيات المسرحية، إلا أن الشعر يصور حالة وجدانية في لحظات معدودات من حياة الشاعر الطويلة، ووجود عناصر من حياة الكاتب في روايته لا يصح أن تنتزع من إطارها وتدرج في سيرته. إن ما يصرح به الشاعر أو الأديب ربما لم يقع حقيقة، وإنما هو حلم وأمنية تمناها. ولكن قد يستفيد كاتب السيرة من كل ذلك في تعزيز الشواهد من مذكرات وروايات وغيرها.
- ألاّ يقيم السيرة على إحدى المشكلات أو المعضلات، ويبتعد عن روح الخطابة والوعظ، فإن خير السير ما أوحى بالدرس الأخلاقي ولم ينص عليه.
- أن يبعث الحيوية والحركة في الشخصيات الثانوية في السيرة، والسير بهم في مراحل الحياة مع سير البطل نفسه، ولا يجوز الاستخفاف بهم. كما لا يجوز جعل أدوارهم في السيرة طاغية تتجاوز ما قدر لهم في واقع الحياة.
مثال عن السيرة الغيرية:«ولد الرسول محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي بمكة عام الفيل الذي جاء أصحابه لهدم الكعبة فأبادهم الله وتوفي أبوه وهو في بطن أمه ولما ولد محمد أرضعته حليمة السعدية ثم زار أخواله في المدينة مع أمه آمنة بنت وهب وفي طريق العودة إلى مكة توفيت أمه بالأبواء وعمره ست سنين ثم كفله جده عبد المطلب فمات وعمر محمد ثمان سنين ثم كفله عمه أبو طالب يرعاه ويكرمه ويدافع عنه أكثر من أربعين سنة وتوفي أبو طالب ولم يؤمن بدين محمد خشية أن تعيره قريش بترك دين آبائه.وكان محمد في صغره يرعى الغنم لأهل مكة ثم سافر إلى الشام بتجارة لخديجة بنت خويلد وربحت التجارة وأعجبت خديجة بخلقه وصدقه وأمانته فتزوجها وعمره خمس وعشرون سنة وعمرها أربعون سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت.وقد أنبت الله محمداً صلى الله عليه وسلم نباتاً حسناً وأدبه فأحسن تأديبه ورباه وعلمه حتى كان أحسن قومه خَلقاً وخُلقاً وأعظمهم مروءة وأوسعهم حلماً وأصدقهم حديثاً وأحفظهم أمانة حتى سماه قومه بالأمين.ثم حُبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء الأيام والليالي يتعبد فيه ويدعو ربه وأبغض الأوثان والخمور والرذائل فلم يلتفت إليها في حياته.ولما بلغ محمداً صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شارك قريشاً في بناء الكعبة لما جرفتها السيول فلما تنازعوا في وضع الحجر الأسود حكموه في الأمر فدعا بثوب فوضع الحجر فيه ثم أمر رؤساء القبائل أن يأخذوا بأطرافه فرفعوه جميعاً ثم أخذه محمد فوضعه في مكانه وبنى عليه فرضي الجميع وانقطع النزاع».
2 – الفرق بين كاتب السيرة الذاتية وكاتب السيرة الغيرية:
السيرة الذاتية
|
السيرة الغيرية
| |
من حيث الضمير المستعمل. | ضمير المتكلم | ضمير الغائب |
من حيث العلاقة بين السارد والشخصية الرئيسية. | السارد = الشخصية الرئيسية | السارد ≠ الشخصية الرئيسية |
من حيث الرؤية السردية. | الرؤية مع | الرؤية من الداخل أو من الخارج |
استنتاج:
كاتب السيرة الذاتية يعتمد على ما عاشه ومارسه وما مر به من تجارب وأحداث، ويكتب عن إحساسه الشخصي، فهو الذي يفهم ذلك الإحساس، وهو صاحب الكلمة الأخيرة في موضوعه، فلا يستطيع أحد أن يضيف لمادته شيئًا جديدًا. وهو يستعين بما في داخل نفسه، حتى يجعل من مادته شيئًا ظاهرًا مفهومًا. أمَّا كاتب السيرة الغيرية فيعتمد على الوثائق والمعلومات التي جمعها، ويكتب عن الحقائق دون الأحاسيس والمشاعر، ويكتب بفهمه. وهو كاتب بين كتاب كثيرين يمكن أن يضيفوا شيئًا جديدًا إلى ما كتبه.
II – خطوات المهارة:
1 – خطوات كتابة سيرة ذاتية:
أ – استرجاع الأحداث:
تعتمد هذه الخطوة على التذكر (أي تذكر السارد للأحداث التي وقعت في حياته الماضية واستعادتها إما بتفاصيلها أو بشكل سريع وخاطف) وذلك حسب أهميتها. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في مقابل التذكر يوجد النسيان. إذ لا يمكن للسارد مهما كانت ذاكرته قوية أن يستعيد جميع الأحداث، فهناك أحداث كثيرة يطالها النسيان. لهذا تنبني السيرة الذاتية على التذكر لا على النسيان.
ب – تحديد مدى الاسترجاع:
يقصد ب «مدى الاسترجاع» تلك النقطة التي يصل إليها التذكر في الزمن الماضي. فعندما أكتب سيرة ذاتية فإنني أسافر بذاكرتي عبر الزمن الماضي لأتذكر أحداثه، بيد أن هذا السفر لا يكون إلى ما لا نهاية. إذ لابد أن تكون هناك محطة تقف عندها الذاكرة لتبدأ استرجاعها من هناك. إن هذه المحطة قد تكون هي مرحلة الطفولة أو الشباب، وقد تكون لحظة راسخة في ذهن السارد.كما يمكن أن تكون هي بداية العام أو مناسبة العيد مثلا …، وهذا التعدد في المحطات يترتب عنه تغير في مسافة المدى، لذلك يمكن التمييز (في هذا الإطار) بين ثلاثة أنواع من المدى:
- المدى القريب.
- المدى البعيد.
- المدى المتوسط.
ج – تحديد سعة الاسترجاع:
وهي تدل على مجموع الأحداث التي تغطي مسافة معينة من مدى الاسترجاع. وهذه الأحداث تمتد من محطة المدى إلى لحظة التذكر. وقد تكون السعة كبيرة أو صغيرة أو متوسطة بحسب مسافة المدى وبحسب عدد الأحداث التي يشتمل عليها استرجاع معين، ولتوضيح ما سبق نعطي مثالا بالسيرة الذاتية «رجوع إلى الطفولة» لليلى أبو زيد:
- المدى البعيد في هذه السيرة الذاتية هو «الطفولة» (العنوان نفسه يفصح عن هذا المدى). أما السعة فهي مجموع أحداث السيرة الذاتية.
- المدى المتوسط والمدى البعيد: يمكن التمثيل لهما بمؤشرات زمنية ضمن فصول السيرة الذاتية (الإلتحاق بالمدرسة – ازدياد الأخت – الدراسة بالثانوية …).
- صياغة الأحداث: بعد تجميع الأحداث يكون من الضروري تركيبها وصياغتها بأسلوب حكائي جميل. وهنا إما أن نحافظ على تسلسل الأحداث كما حدثت في الواقع أو نقوم بخلخلة هذا التسلسل عبر التقديم والتأخير والاستباق …، ولإضافة لمسة جمالية على سيرتنا الذاتية لا نكتفي بالسرد فقط بل نضيف إليه الوصف والتعليق. فنصف الشخصيات والزمان والمكان. ونعلق على بعض الأحداث البارزة.
2 – خطوات كتابة سيرة غيرية:
أ – انتقاء الشحصية:يستحسن انتقاء شخصية مشهورة في وسطها أو مجالها.ب – جمع المعلومات:نبحث عن جميع المعلومات المتعلقة بالشخصية المنقاة.ج – ترتيب المعلومات:في هذه المرحلة نقوم بترتيب ما جمعناه من معلومات على الشكل التالي:- معلومات تتعلق بالولادة والنشأة.
- معلومات تتعلق بأوصاف الشخصية.
- معلومات تتعلق بأعمال وإنجازات الشخصية.
- معلومات تتعلق بمصير الشخصية.
د – صياغة الأحداث مع تحري الدقة والموضوعية.