فضل العشر الأواخر

إعلان الرئيسية


فضل العشر الأواخر
ها هو شهر رمضان قد اصفرّت شمسه ، وآذن بالغروب أُنسُه ، فلم يبق إلا ثلثه الأخير ، فهل يحس من اجتهد فيه بتعب ؟. وهل يجد المفرّط الكسول راحة الكسل ولذة الشهوة ؟.
تفنى اللذاذات ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار
الحذر من إضاعة هذا الموسم بالتسوق وشراء الأمتعة أو بحثاً عن حذاء ، أو السفر خارج المملكة لقضاء الإجازات في دول فشت فيها المنكرات وعمت الفواحش وعزت سلامة المرء في دينه .
ينبغي استدراك ما مضى فيما تبقى ، وما تبقى من ليال أفضل مما مضى .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله". متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها . وفي رواية مسلم :" كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره".
وهذا يدل على أهمية وفضل هذه العشر من وجوه :
أحدها : إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر شد المئزر ، وهذا قيل إنه كناية عن الجد والتشمير في العبادة ، وقيل : كناية عن ترك النساء والاشتغال بهن .
وثانيها : أنه صلى الله عليه وسلم يحيي فيها الليل بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وسائر القربات .
وثالثها : أنه يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصاً على اغتنام هذه الأوقات الفاضلة .
ورابعها : أنه كان يجتهد فيها بالعبادة والطاعة أكثر مما يجتهد فيما سواها من ليالي الشهر .
* من صور الاجتهاد في هذه العشر :
ــــ الحرص على إحياء هذه الليالي بالصلاة والذكر والقراءة وسائر القربات والطاعات وإيقاظ الأهل . اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
فقد كان صلى الله عليه وسلم يحتفي بها أيما احتفاء. ففي العشرين قبلها كان يخلطها بصلاة ونوم فإذا دخلت العشر شمر وجد وشد المئزر. هجر فراشه، أيقظ أهله، يطرق الباب على فاطمة وعلي رضي الله عنهما قائلاً: " ألا تقومان فتصليان". ثم يتلو { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } . ويتجه إلى حجرات نسائه آمراً وقائلاً: " أيقظوا صواحب الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة ".
قال الثوري : أحبُّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك . وليحرص على أن يصلي القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".رواه أهل السنن وقال الترمذي : حسن صحيح .
ــــ الاجتهاد في تحري ليلة القدر قال الله تعالى { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }. ومقدارها بالسنين ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر .
قال النخعي : العمل فيها خير من العمل في ألف شهر . وقال صلى الله عليه وسلم : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر ما تقدم من ذنبه".متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم : " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". متفق عليه .
وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ". رواه البخاري . وهي في السبع الأواخر أقرب لقوله صلى الله عليه وسلم :" التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي".رواه مسلم .
وأقرب السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال ": والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين ".رواه مسلم .
ورد أن التابعي أبي إدريس الخولاني كان يجتهد في التماس ليلة القدر بالصلاة حتى تتورم قدماها و يقول : و الله لننافسن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حتى يعلموا أنهم خلفوا ورآهم رجالا .
من أراد لحاق السادة ، فليترك مخاللة الوسادة .
يا ثقيل النوم : أما تنبهت ، الجنة فوقك تزخرف ، و النار تحتك توقد ، والقبر إلى جنبك يحفر ، و لربما يكون الكفن قد جهز .
أمامك الجواهر و الدرر، أمامك ليلة القدر ، فعلام تضيع الأعمار في الطين و المدر .
يا طويل النوم : بادر قبل أن يفوتك ( تتجافى جنوبهم ) فتأتي يوم القيامة فلا تجد ( فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين ).
العمر كله قصير ، فكيف بعشر ليال .
عندما يوفى الناس أعمالهم تحمد قيامك و صيامك .وتفرح بتهجدك و صلاتك ، حين يتحسر أهل الغفلة .
وهذه الليلة لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل تنتقل في الليالي تبعاً لمشيئة الله وحكمته .
قال ابن حجر عقب حكايته الأقوال في ليلة القدر : وأرجحها كلها أنها في وتر من العشر الأواخر وأنها تنتقل ...أ.هـ. قال أهل العلم: والحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها ، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتُصِر عليها ...أ.هـ .
والأجر المرتب على قيامها حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر.
ويسن في هذه الليلة الاجتهاد بالدعاء . قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال قولي: " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". رواه احمد وابن ماجه وهو صحيح .
ـــ الحرص على الاعتكاف في هذه العشر . والاعتكاف : لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله تعالى ، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله أزواجه من بعده .
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده ".
ولما ترك صلى الله عليه وسلم الاعتكاف مرة في رمضان اعتكف في العشر الأول من شوال ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين .
قال الإمام أحمد رحمه الله : لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الاعتكاف مسنون والأفضل اعتكاف العشر جميعاً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل لكن لو اعتكف يوماً أو أقل أو أكثر جاز .
قال الإمام المرداوي في الإنصاف : أقله إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً. وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله : وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم .
قال الإمام الزهري رحمه الله : عجباً للمسلمين تركوا الإعتكاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل.
من أسرار الإعتكاف صفاء القلب والروح إذ أن مدار الأعمال على القلب كما في الحديث :" إلا و أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ".
فلما كان الصيام وقاية للقلب من مغبة الصوارف الشهوانية من فضول الطعام و الشراب و النكاح فكذلك الإعتكاف ينطوي على سر عظيم وهو حماية العبد من أثار فضول الصحبة وفضول الكلام وفضول النوم وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب ونفسدُ اجتماعه على طاعة الله .
ومما يجدر التنبه علبه هنا أن كثيراً من الناس يعتقد أنه لا يصح له الاعتكاف إلا إذا اعتكف كل أيام العشر ولياليها , وبعضهم يعتقد أنه لابد من لزوم المسجد طيلة النهار والليل وآلا لم يصح اعتكافه , وهذا ليس صواباً إذ أن الإعتكاف وإن كانت السنة فيه اعتكاف جميع العشر إلا أنه يصح اعتكاف بعض العشر سواءً نهاراً أو ليلها كما يصح أن يعتكف الإنسان جزءً من الوقت ليلاً أو نهاراً إن كان هناك ما يقطع اعتكافه من المشاغل فإذا ما خرج لا مر مهم أو لوظيفة مثلاً استأنف نية الإعتكاف عند عودته , لأن الإعتكاف في العشر مسنون أما إذا كان الإعتكاف واجباً كأن نذر الإعتكاف مثلاً فأنه يبطل بخروجه من المسجد لغير حاجة الإنسان من غائط وما كان في معناه .
وينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والاستغفار والقراءة والصلاة والعبادة , وأن يحاسب نفسه , وينظر فيما قدم لآخرته , وأن يجتنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا , ويقلل من الخلطة بالخلق .
قال ابن رجب : ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس ، حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن ، بل الأفضل له الانفراد بنفسه والتحلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه ، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية ...أ.هـ .
فلا تشتغل إلا بما يكسب العلا ولا ترض للنفس النفسية بالردى
وفي خلوة الإنسان بالعلم أُنسه ويسلم دين المرء عند التوحد
ويسلم من قال وقيل ومن أذى جليس ومن واش بغيظ وحسدِ
وخير مقام قمت فيه وحلية تحليتها ذكر الإله بمسجد
ــــ ولا ينبغي أن ننسى في هذه العشر الدعاء لإخواننا المسلمين المضطهدين.


* ـــ ختام الشهر
إذا قوَّضت خيام رمضان ، وغابت أنجمه . وبزغ فجر العيد ، فقد شرع الله تعالى في ختام هذا الشهر عبادات متنوعة منها :
ـــ التكبير ، من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد قال تعالى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
ومن الصفات الواردة فيه : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد . وهناك صفات أخرى.
ــــ زكاة الفطر ، وهي صاع من طعام ، قدره بالوزن : كيلوين وأربعين غراماً من البر الجيد . فمن أراد أن يعرف الصاع النبوي فليزن كيلوين وأربعين غراماً من البر ويضعها في إناء بقدرها بحيث تملؤه ثم يكيل به.
والأفضل أن يخرجها صباح العيد قبل الصلاة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما :"أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة". متفق عليه . ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين .
ـــــ صلاة العيد . وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته رجالاً ونساء مما يدل على تأكدها . واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها واجبة على جميع المسلمين وأنها فرض عين . وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد واختاره ابن القيم .
عن أم عطية رضي الله عنها قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى : العوائق والحيض وذوات الخدور , فأما الحيض فيعتزلن المصلى , ويشهدن الخير ودعوة المسلمين , قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :" لتلبسها أختها من جلبابها".متفق عليه .
والسنة : أن يأكل قبل الخروج إليها تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً أو أكثر، يقطعهن على وتر، لحديث أَنَسٌ رضي الله عنه قال :" كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً .رواه البخاري .
ويسن للرجل أن يتجمل ويلبس أحسن الثياب . كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ عمر رضي الله عنه جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله , ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنما هذه لباس من لا خلاق له "، وإنما قال ذلك لكونها حريراً. رواه البخاري وبوب عليه : باب في العيدين والتجمل فيهما . وقال ابن حجر : وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين .
وأما المرأة فإنها تخرج إلى العيد متبذّلة , غير متجملة ولا متطيبة , ولا متبرجة , لأنها مأمورة بالستر , والبعد عن الطيب والزينة عند خروجها .
ويسن أن يخرج إلى مصلى العيد ماشياً لا راكباً إلا من عذر كعجز وبعد مسافة لقول علي رضي الله عنه :" من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً". رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن . والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم , يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً , وأن لا يركب إلا من عذر... أ.هـ .
وينبغي مخالفة الطريق بأن يرجع من طريق غير الذي ذهب منه . فعن جابر رضي الله عنه قال :" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق". رواه البخاري . وفي رواية الإسماعيلي كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه . قال ابن رجب وقد استحب كثير من أهل العلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره . وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد.
ــــــ ويستحب التهنئة والدعاء يوم العيد . فعن محمد بن زياد قال : كنت مع أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك. قال أحمد : إسناده جيد . وقال ابن رجب : وقد روي عن جماعة من الصحابة التابعين أنهم كانوا يتلاقون يوم العيد ويدعو بعضهم لبعض بالقبول .

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button