مكونات الخطاب الرحلي:
إن الرحلة باعتبارها حكيا تستلزم وجود ثلاثة أطراف: ذاتا حاكية، و خطابا محكيا، و موضوع الحكي[1]:
الحاكي المحكي ( الحكاية ) المحكي عنه
المؤلف / الرحالة الخطاب الرحلي السفر
1 ) الحاكي: هو الرحالة الذي قام بالرحلة في الواقع أو تخيلها، و من خصائص الراوي في الرحلة أنه هو المؤلف ذاته الذي قام بالسفر. إن ذات الرحالة حاضرة باستمرار في الرحلة ( الحكاية ) انطلاقا من أحاسيسها و ميولاتها و عواطفها و مرجعيتها الثقافية و الفكرية و العقائدية … فالرحلة هي صورة الآخرين انطلاقا من أعين مؤلفيها[2].
2 ) المحكي عنه: هو السفر الذي أنجزه الرحالة فعليا أو تخيله، ليصبح السفر بنية مهيمنة في الرحلة، مؤطرا لمختلف المكونات الأخرى من وصف و سرد و أخبار و حكايات و أشعار… فالسفر إذن معيار يتم التمييز به بين الرحلة و أجناس أخرى. و يتوزع إلى نوعين: سفر حقيقي/ واقعي؛ محكوم عند العرب بعدة دوافع دينية و علمية و سياسية و تجارية و سياحية… سيأتي الحديث عنها، ثم سفر وهمي؛ دنيوي أو أخروي.
3 ) المحكي: أو خطاب الرحلة، و هو تلفيظ لفعل الرحلة. و ينبني الخطاب في الرحلة من ثلاث مكونات: المعرفة و السرد ثم الوصف.
أ – المعرفة: تزخر الرحلات بالعديد من المعارف المتنوعة؛ نتيجة ارتباطها بحقول معرفية متعددة، مما جعل الرحلة وثيقة أساسية يعتمد عليها المؤرخون و الجغرافيون و الأنثروبولوجيون… و تحضر ذات الرحالة بشكل كبير في تقديم هذه المعارف لكونها ترتبط بشخصيته و ميولاته المعرفية، فإن كان الرحالة أديبا يهتم بالقضايا الأدبية و يعرض النصوص الأدبية و يعرف بالأدباء، و إن كان متصوفا يهتم بالمعرفة الصوفية… و هدفه من تقديم هذه المعارف إفادة القارئ، و من هنا تصبح الرحلة وثيقة تنقل لنا تجارب الحضارات في تنظيم مجالاتها، و تعطي فرصة لحضارات أخرى حتى تستفيد منها.
ب – السرد: يواكب الأحداث في الرحلة من البداية إلى النهاية ، انطلاقا من الحديث عن أسباب الرحلة و زمن الخروج و مكانه، و انتقال الرحالة من مكان إلى مكان… وصولا إلى النهاية و العودة إلى نقطة الانطلاق. و المسيرة السردية تتخللها محطات يتوقف فيها السرد ليفسح المجال لمكونات أخرى بالاشتغال، كالوصف أو تضمين معرفة أو شعر، و بعد الانتهاء يعود السرد إلى جريانه. و السرد في الرحلة يكون إما بأسلوب تقريري و لغة مباشرة، و إما بأسلوب أدبي عبر استعمال الجناس و المحسنات البلاغية، و إما عن طريق المزج بينهما.
ج – الوصف: انصبت أوصاف الرحالة صوب ما لفت انتباههم من غرائب و عجائب ما شاهدوه في رحلاتهم، و ما ليس مألوفا لديهم و استحسانه أو استقباحه. و يمكن تصنيف الموصوفات في الرحلات العربية إلى عدة أقسام: الأماكن، كالمساجد والكنائس و القصور… و الأشخاص من أمراء فقهاء و حكماء و شيوخ، و الطبيعة و ما بها من جبال و مياه و حقول و مخلوقات، ثم المجتمع بعاداته و تقاليده في المحافل و المناسبات والمظاهر الحضارية كالعمران و التنظيم الإداري…
[1] ) الحاتمي، محمد؛ مرجع سابق، ص 56.
[2] ) محاضرات في مجزوءة الأدب المقارن و الصورانيات ، السداسي الرابع، تقديم الأستاذ د عبد النبي ذاكر، أبريل، الموسم الدراسي 2011/ 2012.