ثوار الأذان

إعلان الرئيسية

ينتفضون ثورة على دعوة لتخفيض صوت الأذان أثناء الفجر..علماً أن الصلاة ذاتها تعرف انحساراً شديداً على مستوى المصلين في المساجد..وعلماً أن الكثير منهم لا يكاد صوت الأذان المرتفع يصل إلى أسماعهم بسبب انغماسهم في أحلام آخر الليل..وعلماً أن الكثير منهم لا يتذكرون الصلاة سوى أيام رمضان الأولى وأحياناً يوم الجمعة قصد إحياء طقس "الكسكس بعد الصلاة"..
نحن شعب الهوية الإسلامية، لا ضير أن ترتفع عندنا جرائم النصب والاحتيال، ولا مشكل أن تتحوّل شوارعنا إلى غابات اصطياد الآخرين وخدش وجوههم، ولا حرج أن نكون من بين الأكثر فساداً في العالم، ولكن الكارثة، وكل الكارثة، أن يخرج قرار مشكوك في صحته، بنداء للمؤذنين قصد خفض الصوت أثناء التهليل والأذان قصد احترام المسنين والمرضى، وبدعوة للأئمة بعدم استخدام مكبرات الصوت أثناء صلاة الفجر.
ونحن شعب الهوية الإسلامية، نسخر من موازين ونحضر إليه بالمئات، وننتقد القناة الثانية ونحفظ عن ظهر قلب مسلسلاتها الرخيصة، ونصوم رمضان إيماناً واحتساباً ونتقاتل فيما بيننا عندما يقترب موعد الإفطار، ونستشهد بالعفة وجرائم اغتصاب الأطفال تنتشر في مجتمعنا، ونتحدث عن العدل وبعضنا يشهد بالزور لدراهم معدودة، ونبكي لصوت مقرئ في الصلاة ونطرد متسولاً يطلب لقمة غذاء أمام باب المسجد.
مشاعرنا الدينية مرهفة الحس، رقيقة حساسة، قادرة على الانتقام ممّن يستزفها، لم يعجبها تخفيض صوت الأذان، لكنها لا تحتج ولا تغضب، عندما تقام الأعراس وسط المركّبات السكنية وتستمر إلى الساعات الأولى من الصباح، وأبسط ما تقابل به عندما تستنكر حرمانك من النوم وأنت المقبل على عمل في الصباح: "خلّي الناس تنشط..راه عندهوم غير هاد الليلة".
تربينا في مجتمعاتنا على عدم احترام الآخرين داخل منازلهم، لذلك لا مشكل أن يرتفع صوت الأذان وأن توضع مكبرات الصوت لنقل أطوار صلاة التراويح والجمعة والفجر، تماماً كما من حق مجموعات "العلوة" و"السماوي" أن تصدح الليل بطوله، وربما أن ما يشفع لها عند السلطات، هي القافية التي تنتهي بها كل أغنية "الله ينصر سيدنا سيدي محمد"، وهي القافية التي تحترم ثوابت المغرب، وتؤكد أنها تتذكر السلطة حتى في لحظات "النشاط"، فضلاً عن أغاني أخرى تثير ألحانها "الجذبة" وتحريك الأرداف وهز البطون رغم أن كلماتها تتغنى بالله وبالرسول الكريم.
قلّما نعلم أن حق الإنسان في الراحة داخل منزله، هو حق سام لا يجب أن يمسه فيه أحد، لكن في مجتمعنا، فيمكن للسلطات مباشرة أشغال إصلاح شارع أمام إقامة سكنية في كل وقت تريد، وبما أن طرقنا تتآكل بسرعة، فأمر عادي أن يتكرر الإصلاح كل سنة وبنفس الإزعاج السابق، كما يمكن لساكن ما أن يباشر الإصلاحات في منزله دون التفكير في راحة من يجاورونه أو حتى طلب الاستشارة منهم، ومن جهة أخرى، يمكن لشباب الحي أن يرفعوا أصواتهم ويتغنوا بغزواتهم عند المرور ليلاً من أمام العمارات والمنازل، ويمكن لفرق " ڭناوة" أن تملأ الزقاق صخباً لتسوّل بعض الدراهم، ويمكن ل"مول الحوت" أن يرفع حنجرته بالصراخ إعلاناً عن بضاعته، ويمكن ل"مول جافيل" أن يطلق نفيراً خاصاً من آلة مزعجة إخباراً بمروره.
تخفيض صوت الأذان لا يضرب إسلام المواظبين على الصلاة في شيء على ما أعتقد، وغيرة البعض على دعوة من هذا القبيل تبقى مقبولة إن كانوا يقرنون أقوالهم بأفعالهم، أمّا أن يُفرغ المسجد في صلاة الفجر إلا من الإمام وبعض الأوفياء لهذا الموعد الصباحي، وأن يغيّر الكثيرون القناة عندما يظهر الأذان ولا يرجعون إليها إلا عندما يحسون بنهايته، وأن ينام الكثير منا حتّى تتوسط الشمس كبد السماء ولا يدري في أي وقت يؤذّن فيه لصلاة الفجر، فهذه قمة "السكيزوفرينية"، وتأكيد للقولة الخالدة لمول الفردي: "هادي راها بْلاد الإسلام يا ولاد لقْ...".

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button