عرفت
العلاقة التربوية التي تجمع الأستاذ و التلميذ على حد سواء تراجعا ملحوظا
عما عهدناه سالفا ، فالتلميذ لم يعد ذلك المخلوق الوديع المؤدب الذي اذا
خاطبه مدرسه احمر وجهه خجلا وامتثل لأوامره في حياء واحترام ، والأستاذ لم
يبق ذاك المربي الصبور المشهود له بالحكمة و الاتزان نتيجة مجموعة من
الضغوطات والاكراهات التي تحاصره ، صرنا نسمع
عن مدرسين فقدوا صوابهم وأقدموا في حالة هيستيرية على قتل تلامذتهم ، صرنا
نشاهد متمدرسين تجاوزوا حدود اللياقة والأدب ، يشتمون أساتذتهم أمام الملأ
ويهددون ويتوعدون . فماذا يجري ؟؟
تلاميذ متمردون وأساتذة أعصابهم مشدودة :
دخلوا قبلها الى القسم ، وفي
انتظار أن تلتحق بهم لتوافيهم بحصتهم الدراسية ، عمدوا الى صب قطرات من
السائل الأحمر الذي يستعمل عادة في الاسعافات الأولية عند الاصابة بجروح
خفيفة على مقعدها و ابتعدوا ينتظرون ماذا سيحدث . لم تكن الأستاذة على علم
بما يرتبه تلامذتها ضدها ، لم تنتبه الى ما حبك لها في غيابها ، جلست على
مقعدها كالمعتاد وبمجرد قيامها الى السبورة قهقه الجميع ضحكا على جلبابها
الملطخ بالأحمر من الوراء ، جن جنون الأستاذة ، أخذت تصرخ وتضرب بلا وعي ،
ترمي بما وجدته أمامها من كراسي وأدوات ، وفي وضع سيء جدا التحقت بالحراسة
العامة تطلب التدخل واتخاذ الاجراءات اللازمة في حق من تسببوا لها في
الايذاء .
مشهد بسيط من مجموعة مشاهد يعيش
على وقعها رجال التعليم ، حالة من مجموع حالات تعكس الواقع المرير الذي
يتخبط فيه هؤلاء ، ان دلت على شيء فانما تدل على قلة حياء بعض التلاميذ ،
وسوء تربيتهم وأخلاقهم ، وحبهم للتمرد على مدرسيهم .
أساتذة مصرون على الرسالة والتلاميذ رافضون لها :
من منطلق حبهم للمهنة وايمانهم
القوي بالرسالة التي أنيطت بهم ، لا تتوانى فئة من الأساتذة في أداء الواجب
ولا يبخلون على التلاميذ بشيء ، يبسطون في الشرح و التوضيح حتى يتسنى
للجميع فهم دروسهم ، يرفضون تضييع جزء يسير من وقتهم فيما لا يجدي، وان
كانوا يخلقون جوا للمرح كلما سمحت الفرصة وكلما لاحظوا علامات العياء بادية
على وجوه المتمدرسين . أجواء المرح محببة جدا الى قلوب عدد لا يستهان به
من التلاميذ ، انهم يتمنون لو أن الحصة كلها ترفيه وتسلية وتمضية وقت ،
الأقلية منهم من تتحلى بالانضباط وتميز بين سويعات الجد ولحظات الهزل ،
بينما الباقي رافضون على طول الخط للجو الدراسي الجاد ، بحيث يقودهم رفضهم
هذا الى التغيب المستمر عن الحصص الدراسية ، والرغبة في التحصيل بلا مجهود
ولعلهم أكثر من يتخذون الغش في الامتحانات مطية للوصول الى النجاح .
وهل كل الاساتذة يؤدون دورهم التعليمي كما ينبغي ؟؟
أساتذة ملوا من العمل و التلاميذ ضحايا تقصيرهم :
نفس ما يدرسونه هذه السنة
يدرسونه السنة التي تليها ، نفس ما قالوه بالأمس يرددونه للأجيال المتجددة ،
أصابهم الضجر ، سئموا من التكرار ، فكروا في الابتعاد عن الميدان فوجدوا
أنفسهم مكبلين بقروض بنكية وبمسؤوليات أسرية وأولاد محتاجين الى مصاريف ،
التفتوا يمينا ويسارا وقبلوا بواقعهم ، حاولوا التعايش مع الوضع الممل
لكنهم بسبب المشاكل التي تحيط بهم من كل جانب لم ينجحوا ، فماذا كانت ردة
فعلهم ؟؟
قادمون الى حجرات الدرس بلا رغبة
، يمضون الوقت في الشجار مع التلاميذ ولو من غير سبب يذكر ، يشغلون مساحة
الدرس الزمنية في الحكي عن حياتهم الخاصة وأحوالهم الشخصية ، يكتفون بكتابة
ما هو مقرر للتلاميذ دراسيا على السبورة ومن ثم يطالبونهم بنقله الى
كراريسهم ودفاترهم . بعض التلاميذ مستمتعون وعاشقون لهذا الصنف من المدرسين
المتساهل كثيرا الى درجة التقصير ، وبعضهم – التلاميذ – لا يرضيهم سلوكات
الاساتذة من هذا النوع ويعتبرونهم جناة على مستقبلهم ، فيسارعون الى طلب
الانتقال أو يشتكون لأوليائهم ورفاقهم معاناتهم ، وهم يحاولون تغطية الخصاص
واحتواء الضرر الذي يلحقهم بالبحث عن المعلومات التي تنقصهم في الشبكة
العنكبوتية ومشاركتهم الحضور لزملائهم التلاميذ في المواد التي يفتقرون
فيها لأستاذ كفء متحمل لمسؤوليته .
قم للمعلم وفه التبجيلا :
قالها أحمد شوقي ، ومع اقبال
التلاميذ المتمدرسين على تناول المخدرات وولوجهم الأقسام في حالة غير
طبيعية وغيرها من المتغيرات الطارئة اختفت العبارة ، لم يعد هناك تبجيل ولا
تقدير ولا احترام ، قد يرجع السبب أحيانا الى غياب القدوة في صفوف
المدرسين ، مما يؤدي بهؤلاء الى اعلان سخطهم واندفاعهم نحو تغيير الوضع
بوضع مماثل لا يقل عنه سخافة ومهانة ، وقد يعود الى المحيط الاجتماعي الذي
نشأ فيه التلميذ ، من تفكك أسري واهمال الابوين له ، وعدم الاهتمام بشؤونه
وبموعد دخوله وخروجه من البيت ومن يرافق وماذا ينقصه ..الخ .
وليس غريبا أن نرى ولي أمر سواء
كان أما أو أبا تنتابه مشاعر الأبوة فجأة ويتذكر أنه وصي على شخص اسمه ابن
عندما يسعى أحد أساتذته الى تأديبه وقد تجاوز كل الحدود ، ليتدخل بشكل عنيف
يبغي تأديب من يتجرأ على تأديب ابنه ويلقنه درسا مفاده أن للتلميذ والد
يرفض التربية بجميع صورها ومستعد للأسوا متى تطلب الأمر .
أساتذة فقدوا جزءا كبيرا من
الحكمة في التعامل مع التلاميذ ، تلاميذ لا يفرقون بين رفيق الدرب والمدرس
داخل الفصل ، صراعات واصطدامات ونتائج عكسية يتلقاها المجتمع وتنحدر به الى
الدرك الأسفل .
فمتى تعود العلاقة الطيبة بين الأستاذ و التلميذ ويصلح حالها ؟؟