) المعـــــاني :
أ / الخبر و الإنشاء :
1 – الخبر : هو كلّ كلام يحتمل الصدق و الكذب ( أي
يطابق الواقع أو لا يطابقه ) بصرف النظر عن قائله .
2 – الإنشاء : هو كلّ كلام لا يحتمل الصدق و الكذب ,
و لا يصحّ أن يقال لقائله : إنّه صادق فيه أو كاذب , لأنّه إمّا أن يطلب به حدوث
فعل , أو ينهى عنه , أو يسأل لرجاء فهمه , فهو : أمر , نهي و استفهام .
* أغراض الخبر : للخبر غرضان أصليان ؛ فإذا استفاد
المخاطب الحكم الذي تضمّنته الجملة فذلك ما يسمّى(فائدة الخبر)
و يتحقّق ذلك عندما يكون المخاطب خالي
الذهن من هذا الحكم مثل : " نعم لقد
حوّل الحاسوب و شبكة الأنترنت العالمَ إلى قرية صغيرة بتمكيننا من الاشتراك مع
الآخرين في المعلومات في أيّ مكان و أيّ زمان " [ نص ؛ سيّارة المستقبل ص :
08 ], و إذا أفاد أنّ المتكلّم عالم بالحكم , فذلك هو ما يسمّى ( لازم الفائدة
) . مثل : " صحيح أنّ التكنولوجيا ما زالت بعيدة عن تمكيننا من دخول آلة
شبيهـة بمقطـورة الهاتف و الانتقال في لمح البصر إلى مكان آخر عبر الضفّة الأخرى
لعالمنا . " [ نفس المرجع ]
*
قد يخرج الخبر
الأدبي إلى أغراض بلاغية تفهم من سياق الخبر و موضوعه و حالة قائله النفسية , و من
تلك الأغراض : ( الفخر , التعبير عن الضيق و الألم , إظهار
الحسرة و الأسى , التوبيخ , التهديد , التحقير , الاستعطاف )
- مثـــــل :
قال المرقّش الأكبر :
إنّا لَنُرْخِصُ يومَ الرّوعِ
أنفسَنا و لو نُسامُ بها في الأمنِ
أُغْلِينا
شُعْثٌ مَفارقُنا , تَغْلِي مَرَاجِلُنا نَأْسُو بأموالـنا آثـارَ أيديـنا
المُطْعمون إذا هبّت شآميّـةٌ و خيرٌ نـادٍ رآهُ النّـاسُ نادينا
- نقل خبر لسامع لا يعلمه : " تؤيّد الجزائر قضايا السلام في
العالم " ( فائدة الخبر )
- نقل خبر لسامع يعرفه : " كنت صباحا في دار البلدية
" ( لازم الفائدة )
- الفخر : قال عنترة : إنّي امرؤ من خير عبس منصِبا ÷ شطري و أحمي
ستائري بالمِنصَل
- الضيق و الألم : قال زهير : سئمت تكاليف الحياة و من
يعش ÷ ثمانين حولا – لا أبا لك – يسأم
- المدح : قال النابغة : فإنّك شمس و الملوك كواكب ÷ إذا طلعت
لم يبد منهنّ كوكب
- الحسرة و الأسى : قالت الخنساء : فقد ودّعت يومَ فراق
صخرٍ ÷ أبي حسّانَ لَذّاتي و أنسي
- التوبيخ , قال الإمام علي ( كرّم الله وجهه ) : " يُغار
عليكم و لا تغيرون , و تُغزَون و لا تغزُون , و يُعصَي الله و ترضَون "
- التهديد : قال الحجّاج : " إنّ الحزم و
العزم سلباني سوطي , و أبدلاني به سيفي "
- التحقير , قال الفرزدق : ضربت عليك العنكبوت بنسجها ÷ و قضى عليك
به الكتاب المنزل
- الاستعطاف , قال جرير : إنّا لنرجو إذا ما الغيث
أخلفنا ÷ من الخليفة ما نرجو من المطر
المرقّش يتحدّث عن قومه و هو يحكي
عنهم جملة من الأخبار , فأرواحهم رخيصة وقت في الحروب , و غالية وقت السلم , و هم
أصحاب حروب , يكرمون الضيف و يتحمّلون ديات القتلى , كما أنّ ناديهم أعظم مكان
يجتمع فيه الناس
و المعنى الحاصل هو الإبلاغ و إفادة
المخاطب بهذه المعلومات عن قومه , و كلام الشاعر هو الخبر , و الأخبار التي جاء
بها تحتمل الصدق فتكون مطابقة للواقع و قد تحتمل الكذب لعدم مطابقتها للواقع .
* أغراض الإنشاء : للأسلوب الإنشائي أغراض ثلاثة أصلية و
هي (
الأمر , النهي و الاستفهام ) و له أغراض أدبية أخرى تفهم من سياق
الكلام .
- مثــــــل :
قال لقيط بن يعمر :
صونوا جيادكم و اجلوا سيوفكم و جدّدوا للقسيِّ النبْلَ و الشِّرَعـا
لا تثمروا المال للأعداء إنّـهم إنْ يظهروا يحتووكم و التِّلادَ معا
ما ذا يردّ عليـكم عـزَّ أوّلِكم إنْ ضاعَ آخرُه أو ذلّ و اتّضَـعا
يأمر لقيط قومه في البيت الأوّل بأن
يحافظوا على خيولهم , و يهيّئوا سيوفهم و أقواسهم و سهامهم للقتال , و في البيت
الثاني ينهاهم عن جمع المال و تنميته , لأنّ عدوّهم متربّص بهم , و في البيت
الثالث يتساءل مخوّفا قومه من ضيـاع مجدهم , و هكذا لا نجد في الأبيات الثلاثة
شيئا يثبته الشاعر أو ينفيه , و إنّما يطلب شيئا , أو ينهى عنه , او يستفهم عنه و
مثل هذه الأساليب لا يمكن أن توصف بالصدق أو الكذب .
- الأمر : و يأتي في صيغ متعدّدة : ( فعل الأمر , المضارع
المقترن بلام الأمر , المصدر النائب عن الأمر , اسم فعل الأمر ) , و يكون الأمر
على حقيقته إذا صدر من الأعلى إلى الأدنى , كأن يكون من اللّه تعالى إلى عباده أو
من الحاكم إلى رعيته أو من السيّد إلى عبده أو من الأستاذ إلى تلميذه أو من الأب
إلى ابنه .
-
الأمر الحقيقي على وجه الإلزام :
*
فعل
الأمر : { و اخفض لهما جناح الذلّ من الرّحمة و قل ربّ ارحمهما كما
ربّياني صغيرا }
*
المضارع المتصل بلام الأمر : { و لتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير و يأمرون
بالمعروف و ينهون عن المنكر }
*
المصدر : { و قضى
ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه و بالوالدين إحسانا }
*
اسم
فعل الأمر: من خطبة هاشم بن عبد مناف " و عليكم
بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة "
و قد يخرج الأمر عن حقيقته إلى أغراض أدبية
متعدّدة منها : ( الحثّ , التمنّي , الدعاء , النصح , التهديد , التعجيز , التحقير
)
-
الأمر
الخارج عن حقيقته إلى أغراض أخرى :
*
الحثّ , قال لقيط : فاشفوا غليلي برأيٍّ منكم حَصِدٍ ÷ يصبح فؤادي له ريّانَ قد
نَقَعَا
*
التمنّي , قال امرؤ
القيس : إلا أيّها اللّيل الطويل ألا انجل ÷ بصبح و ما الإصباح منك بأمثل
*
الدعاء , قال تعالى :
{ ربّنا اغفر لنا ذنوبنا و كفّر عنّا سيّئاتنا و توفّنا مع الأبرار }
*
النصح , قال ذو
الأصبع : " ألِنْ جانبَك لقومك يحبّوك , و تواضعْ لهم يرفعوك "
*
التهديد , قال حسّان :
و إلاّ فاصبروا لجِلادِ يومٍ ÷ يعزّ الله فيه من يشـــاء
*
التعجيز , قال الفرزدق
: فادفع بكفّك إنْ أردت بناءنا ÷ ثهلانَ ذا الهضبات هل يتحلحل ؟
*التحقير , قال جرير :
فغُضّ الطّرْف إنّك من نُمَيْرٍ ÷ فلا كعبا بلغتَ و لا كلابا
*
الالتماس , قال عمر بن
أبي ربيعة : و هيّجْتَ قلبا كان قد ودّع الصّبا ÷ و أشياعَه فاشفعْ عسى أنْ
تُشفّعا
-
النهي : و يكون حقيقيا حين يطلب به الكفّ عن
الفعل على وجه الإلزام , و صيغته هي الفعل المضارع المسبوق بلا الناهية كأن يصدر
من الأعلى إلى الأدنى .
-
النهي
الحقيقي على وجه الإلزام :
*
قال تعالى : { يا أيّها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم و
لا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهنّ و لا تلمزوا أنفسكم و لا تنابزوا بالألقاب
... }
و قد يخرج النهي عن حقيقته إلى أغراض
أدبية تستفاد من السياق, و منها :
( الدعاء , التيئيس , النصح , الاستعطاف , التمنّي , التحقير ,
التوبيخ ) .
-
النهي الخارج عن حقيقته إلى أغراض أخرى :
*
الدعاء , قال تعالى : { ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا , ربّنا و لا تحمل
علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا
*
التيئيس , قال تعالى :
{ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }
*
النصح , قال لقيط :
يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غُيُراً ÷ على نسائكم كسرى و ما جمعا
*
الاستعطاف , قال النابغة
: فلا تتركنِّي بالوعيد كأنّني ÷ إلى الناس مطليّ به القار أجرب
*
التمنّي , قالت الخنساء : أعينيّ جودا و لا تجمدا ÷ ألا تبكيان لصخر الندى
*
التحقير , قال الحطيئة
: دعِ الأيّامَ لا ترحلْ لبغيتها ÷ و اقعدْ فإنّك أنت الطّاعم الكاسي
*
التوبيخ , قال بعضهم :
لا تنه عن خلق و تأتي مثله ÷ عار عليك إذا فعلت عظيم
-
الاستفهام : و يكون حقيقيا إذا طلب به معرفة شيء
كان مجهولا من قبل .
-
الاستفهام
الحقيقي لمعرفة ما هو مجهول :
*
متى انضمّت الجزائر إلى هيئة الأمم المتحدة ؟
* من الكاتب الذي تحبّ أن تقرأ له ؟ * هل علمت بالجديد ؟
و قد يخرج الاستفهام عن حقيقته إلى أغراض أدبية
متعدّدة تفهم من سياق الأسلوب , و من هذه الأغراض ؛ ( التوبيخ , الإنكار ,
النفي , التعجّب , التعظيم , التحسّر , التحقير , الاستعطاف , التمنّي , الالتماس
)
*
التوبيخ و التقريع , قال تعالى : { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكّرون ؟
}
*
الإنكار , قال تعالى :
{ أتأمرون الناس بالبرّ و تنسون أنفسكم }
*
النفي , قال الإمام
عليّ ( كرّم الله وجهه ) : " و هل منهم أحدٌ أشدّ لها مِراساً منّي "
*
التعجّب , قال لقيط :
مالي أراكم في نياما في بلهنية ÷ و قد ترون شهاب الحرب قد سطعا ؟
*
التعظيم , قال طرفة :
إنّي لمن معشرٍ أفنى أوائلَهم ÷ قيلُ الكماة : ألا أين المحامونا ؟
*
التحسّر , قالت الخنساء : فيا لهفي عليه و لهف أمّي ÷ أيصبح في التراب و فيه يمسي
؟
*
التحقير , قال حسّان :
أتهجوهُ و لستَ له بكفء ÷ فشرُّكما لخيرِكما الفداءُ ؟
*
الاستعطاف , قال جرير :
أ أذكرُ الجَهْدَ و البلوى التي نزلت ÷ أم قد كفاني الّذي بُلِّغْتَ من خبري ؟
*
التمنّي , قال جميل :
و يقلْن : إنّك قد رضيتَ بباطلٍ ÷ منها فهل لك في اجتناب الباطل ؟
*
الالتماس , قال ابن أبي
ربيعة : فقلتُ لمُطْرِيهنّ ويحك إنّما ÷ ضررْتَ فهل تستطيع نفعا فتنفعا ؟
ب / التقديم و التأخير :
1/ التقديم و التأخير يدخلان في الجملتين الاسميّة و
الفعليّة , لأغراض بلاغيّة , كتخصيص المتأخّر بالتقدّم , أو الاهتمام بأمر
المُقدّم , أو للتعجيل بالتلذّذ , أو مراعاة نظم الكلام و موسيقاه , أو تقوية
الحكم و تأكيده أو غير ذلك .
2/ سرّ جمال التقديم أنّه يحقّق إثارة الانتباه , و سرحة
الخيال , بالإضافة إلى الأغراض البلاغيّة التي سبق ذكرها .
2 ) البيــــــان : هو العلم الذي يبحث في الأساليب
المختلفة التي تعبّر عن المعنى الواحد بطرائق متعدّدة , من تشبيه أو استعارة أو
كناية أو غيرها . و علم البيان بما يوضّح من الفروق بين الأساليب , ميزان صحيح
لتعرف أنواعها و دراسة أدبية للفحص عن كلّ أسلوب , و تبيين سرّ البلاغة , و الجمال
فيه .
1 – التشبيــــه : هو لون من ألوان التصوير الأدبيّ ,
يبيّن أنّ شيئا شارك غيره في صفة أو أكثر , و تعقد هذه المشاركة بينهما بأداة هي
" الكاف " أو " كأنّ " و غيرهما من أفعال مثل : يشبه , يماثل
, يضارع , يحاكي , أو أسماء مثل : مثل , شبه .
* أركان التشبيه : أربعة و هي : -
المشبّه – المشبّه به – أداة التشبيه – وجه الشبه . و يجب في وجه الشبه أن يكون في
المشبّه به أقوى و أوضح منه في المشبّه .
* كلّ تشبيه لا بدّ فيه من ذكر المشبّه و المشبّه به ,
أمّا أداة التشبيه و وجه الشبه فيجوز حذفه أحدهما دون أن يخلّ ذلك بالتشبيه , بل
على العكس فإنّ حذف أيّ واحد منهما يعطي صورة التشبيه قوّة أكثر من وجوده .
- أمثلــــــة :
قال الشاعر : كأنّما الماءُ في
صفاء ÷
و قد جرى ذائبُ اللّجين
و قال امرؤ القيس : فعنّ لنا سِربٌ
كأنّ نِعاجه ÷ عَذَارى دوارٍ في مُلاءٍ مُذيّلِ
و قال عنترة : أفمن بكـاء حمامـة في
أيكـة ÷
ذرفتْ دموعكَ فوق ظهر المِحمل
كالدرّ أو فِضضِ الجمان
تقطّعت ÷
منه عقــائدُ سلكِــه لم يوصلِ
و قال الشاعر : أنت نجم في رفعةٍ و
ضياءٍ ÷
تجتليك العيون شرقاً و غرباً
* التشبيه البليغ : هو ما ذكر في المشبّه و المشبّه به
فقط , و حذفت منه أداة التشبيه و وجه الشبه . و هو أقوى و أجمل أنواع و صور
التشبيه , و فيه يظهر المشبّه و المشبّه به و كأنّهما شيء واحد لا شيئان متماثلان
, و ذلك غاية ما يقصد إليه المتكلّم من التصوير و استعماله التشبيه . مثل :
-
قال النابغة : فإنّك شمس و الملوك كواكب
÷ إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب
* التشبيه التمثيلي : التشبيه من حيث وجه الشبه ينقسم إلى
قسمين ؛ تشبيه غير تمثيل , و هو ما يكون فيه وجه الشبه صفة مفردة . و تشبيه تمثيل
, و هو ما يكون فيه وجه الشبه صورة منتزعة من متعدّد . مثل :
- الصورة المفردة : قال رسول الله ( صلّى الله عليه و
سلّم ) : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم »
-
الصورة المنتزعة من متعدّد : قال المتنبّي : يهزّ الجيشُ حولكَ جانبيه ÷ كما
هزّتْ جناحيها العقابُ
* التشبيه الضمنيّ : و هو تشبيه لا تذكر فيه أركانه بصورة
من صور التشبيه المعروفة , و إنّما تلمح من مضمون الكلام . و يؤتى به ليفيد
بالدليل أنّ الحكم الذي أسند إلى المشبّه ممكن و ليزيد من قوّة التعبير و بلاغته .
مثل :
-
قال أبو فراس الحمداني : سيذكرني قومي إذا جدّ جِدُّهم ÷ و في
اللّيلة الظلماء يفتقد البدر
* بلاغة التشبيه : تأتي بلاغة التشبيه و جماله من أنّه
يزيد المعنى وضوحا و قوّة تأثير بالصورة التي يأتي بها , كولك : إنّ حصاني سريع ,
تعبير لا يبلغ من وضوح المعنى و قوّة التأثير في النفس ما يبلغه قول امرئ القيس عن
سرعة حصانه
مكرّ مفرّ مقبل مدبر
معــا ÷
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
2 – الاستعــــارة : هي تشبيه حذف منه أحد طرفيه , و هي تأتي
على نوعين
أ = تصريحية : و هي ما يصرّح
فيها بلفظ المشبّه به و يراد منه المشبّه . مثل :
-
قال حسّان : لساني صارمٌ لا عيب فيه
÷ و بحري لا تكدّره الدّلاء
-
قال جرير : أعددت للشعراء سمّا ناقعا
÷ فسقيت آخرهم بكأس الأوّل
ب = مكنية : و هي ما يحذف
فيها المشبّه به و يرمز إليه بشيء من لوازمه يذكر مع المشبّه . مثل :
-
قال تعالى : { ربّنا أفرغ علينا صبرا , و توفّنا مسلمين }
-
و قال تعالى على لسان نبيّه زكرياء ( عليه السلام ) : { ربّ إنّي وهن العظم منّي ,
و اشتعل الرأس شيبا } .
*
تأتي بلاغة
الاستعارة و جمالها من أنّها تتضمّن إحساسا و إثارة أقوى من التشبيه , يقوم على
ادّعاء أنّ المشبّه و المشبّه به شيء واحد , و لذا يصلح أن يعبّر بالمشبّه به مكان
المشبّه أو أن تذكر صفة من صفاته مع النشبّه , كما أنّ في الاستعارة تشخيصا للمعنى
و رسم صورة محسوسة له تزيده قوّة و تأثيرا .
3 – الكنايــــــة : هي لفظ أطلق و أريد به لازم معناه ,
مع جواز إرادة المعنى الحقيقي منه . و هي باعتبار المكنّى عنه ثلاثة أقسام ؛ كناية
عن صفة , كناية عن موصوف و كناية عن نسبة . مثل :
- كناية عن صفة = قال تعالى : { فأصبح يقلّب كفّيه على
ما انفق فيها و هي خاوية على عروشها } يقلّب كفّيه كناية عن صفة الندم .
- كناية عن موصوف = قال المتنبّي في وصف أعداء سيف الدولة
المهزومين :
و منْ في كفّه منهم قنـــاةٌ ÷ كمنْ
في كفّه منهم خضــابُ . ففي الشطر الأوّل كناية عن الرجال و في الشطر الثاني كناية
عن النساء .
- كناية عن نسبة = قال المتنبّي : إنّ في ثوبك الذي
المجد فيــه ÷ لضياءً يزري بكلّ ضيــاء
3 ) البديـــــــع : و يتمثّل في المحسّنات البديعية , و
هي وسائل تعبيريّة توضّح المعنى و تثبته و تقوّيه و تزيّن الكلام و تجمّل الأسلوب
, و يعمد إليها الأديب تلقائيا , و بدون تكلّف أو اصطناع , تلبية لدعوة فطريّة
شعوريّة , و تنقسم المحسّنات البديعيّة إلى قسمين هما :
1 – المحسّنات اللّفظية : و يندرج تحتها كلّ من السّجع و الجناس
, و يرجع التحسين فيها إلى اللّفظ أصالة , و إن أدّى ذلك إلى تحسين المعنى , و
يظهر أثرها في ألفاظ الأسلوب الأدبيّ , و أكثر ما تعتمد على تنظيم النغم , و ترتيب
الإيقاع المتولّد عن تزيين اللّفظ و تجميله .
* السجــع : و هو توافق الكلمة الأخيرة من جملة ,
مع الكلمة الأخيرة من جملة أخرى في الحرف الأخير منهما , و هو لون من التوازن
الصوتيّ الذي يكسب الكلام جرسا موسيقيا يلفت النظر و يؤكّد المعنى . و يكون السّجع
لونا أدبيا مقبولا إذا اتخذ وسيلة لتقوية المعنى , بعيدا عن التكلّف و غير ملتزم
في الأسلوب . و يشيع أسلوب السّجع في البيئة الفطريّة الطبيعيّة , و يقلّ كلّما
تقدّم فكر الإنسان و اتجّه إلى السرعة في إنجاز الأعمال . مثل :
-
من وصية ذي الأصبع لابنه : " ألنْ جانبك لقومك يحبّوك , و تواضع لهم يرفعوك ,
و ابسُط لهم وجهك يطيعوك , و لا تستأثر عليهم بشيء يسوّدوك " .
-
و من وصية سيّدنا أبي بكر الصدّيق ( رضي الله عنه ) لقائده : " و اسمرْ
باللّيل في أصحابك تأتك الأخبار , و تنكشف عندك الأستار " .
* الجنــاس : و هو اتّفاق كلمتين في الهيئة , و
اختلافهما في المعنى , و يأتي على نوعين ؛ تام و ناقص .
- الجناس التام : و هو ما اتفق فيه اللّفظان في نوع
الحروف و عددها و شكلها و ترتيبها , و اختلفا في المعنى . مثل
قال أبو تمام : ما مات من كرم الزمان
فإنّه ÷
يحيا لدى يحي بن عبد الله
و مثل قولنا : " شهدت صلاة
المغرب في بعض مساجد المغرب "
- الجناس الناقص : و هو ما اختلف فيه اللّفظان في أحد
الأمور الأربعة السابقة إلى جانب اختلافهما في المعنى . مثل
قال الحطيئة : و باتوا كراما قد قضوا
حقّ ضيفهم ÷ و ما غرموا غُرما و قد غنموا غُنما
و مثل قول الحجّاج : " منْ أعياه
داؤه فعندي دواؤه , إنّ للشيطان طيفا و للسلطان سيفا , إنّي أنذر ثمّ لا أنظر ,
إنّ الحزم و العزم سلباني سوطي " .
*
و يكون الجناس لونا أدبيا إذا بعد عن التكلّف , و جاء عفوا تلبية لمتطلّبات المعنى
. و الجناس يكسو الكلام جمالا , و يكسبه جرسا موسيقيا و يحسّنه , و يعبّر عن إحساس
الأديب , و يعين على نقل هذا الإحساس .
2 – المحسّنات المعنويّة : و يندرج تحتها كلّ من المقابلة و
المطابقة و التورية , و يرجع التحسين فيها إلى المعنى أصالة و إن أدّى ذلك إلى
تحسين اللّفظ , و تجعل الأسلوب الأدبيّ أكثر جمالا و تأثيرا في النفس ممّا ترسمه
من صور المقابلات و المطابقات .
* المطابقة : هي أن يؤتى في الكلام بمعنى و ما
يقابله , و يسمّى " طباق الإيجاب " , أو يؤتى بالمعنى و ضدّه , و يسمّى
" طباق السّلب " . مثل :
- طباق الإيجاب : قال امرؤ القيس : مكرّ مفرّ مقبل
مدبر معا ÷ كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
و جاء في الحكمة : " ربّ عجلة
تهب ريثاً " . ( التضادّ بين مثبتين )
- طباق السّلب : قال تعالى : { يستخفون من الناس و لا
يستخفون من الله و هو معهم } و قال تعالى : { و لا تخشوا الناس و اخشونِ } وقال
الإمام عليّ ( كرّم الله وجهه ) : " يغار عليكم و لا تغيرون , تغزون و لا
تغزون ! " و هذا
النوع من الطباق هو ( التضاد بين مثبت و منفيّ ) .
* المقابلة : هي أن يؤتى في الكلام بمعنيين غير
متقابلين , أو أكثر من معنيين , ثمّ يذكر ما يقابل هذه المعاني . مثل :
-
قال لقيط بن يعمر : ما ذا يردّ عليكم عزُّ أوّلكم
÷ إنْ ضاع آخرُه أو ذلّ و أتّضعا ؟
-
قال حسّان : قومٌ إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم
÷ أو حاولوا النّفع في أشياعهم
نفعوا
*
و لكلّ من
المطابقة و المقابلة أثر في المعنى و الأسلوب , فالمعنى يزداد وضوحا و بروزا و
قوّة بوضع الشيء و ضدّه أو ما يقابله , و الكلام يكتسب جرسا موسيقيا و نغما جميلا
يؤثّر في النفس , و ينقل الشعور , و بذلك يخاطب أسلوب المطابقة و المقابلة العقل و
العاطفة في وقت واحد .
*
و يكون هذا الأسلوب لونا أدبيا مقبولا إذا ابتعد عن التكلّف , و جاء عفوا بحسب
متطلّبات الموقف .
* التــوريــة : هي لفظ له معنيان , أحدهما دلالة
اللّفظ عليه ظاهرة لكثرة استعماله فيه , و هو المعنى القريب , و ثانيهما دلالة اللّفظ عليه خفيّة لقلّة
استعماله فيه , و هو المعنى البعيد , ثمّ يراد المعنى الخفيّ , اعتمادا على قرينة
. مثل :
-
سئل سيّدنا أبو بكر الصدّيق ( رضي الله عنه ) عن النبيّ ( صلّى الله عليه و سلّم )
و هما مهاجران إلى المدينة المنوّرة فقال : " هـــادٍ يهديني " .
-
قال بدر الدّين الذهبيّ : الروضُ أحسنُ ما رأيـــت إذا تكاثرت الهمــوم
تحنو عليّ
غصـــونُه ÷ و يرقّ لي فيه النّســيم
(
تحنو , ترقّ ) ظاهر معناهما " العطف و الشفقة و هو المعنى القريب , أمّا
المعنى البعيد الذي يريده الشاعر فهو : ميل الأغصان و لطافة النسيم .
*
و التورية تزيد المعنى وضوحا و العبارة حسنا , كما تدلّ على براعة الأديب الذي لم
يتكلّفها , و على قدرته على الهروب من التصريح بالمقصود عند الإحساس بالخطر .
* و تكون
التورية لونا أدبيا إذا ابتعدت عن التكلّف , و لم يقصد بها إظهار البراعة التي
تضرّ بالمعنى و تخفيه .