د عبد الحليم البر الحمد لله , والصلاة والسلام علي رسول الله , وعلي آله وصحبه ومن والاه واهتدي بهداه . ونحن
نستقبل عاما جديدا ونودع عاما ماضيا , من حق العام الماضي أن نودعه , ومن
حق العام المقبل علينا أن نستقبله ,ونحن بين وداع واستقبال ما أولانا
بالتذكر ,نحن الآن نتسلم كراسة جديدة عدد ورقاتها 360ورقة جديدة ,لا ندري
كم كتب الله لنا من هذه الورقات:- هل كلها ؟ أم بعضها ؟ لا يدري ذلك إلا
الله , وقد انتهت الكراسة القديمة بأوراقها, وطويت صفحاتها, والله أعلم
بها ,ونسأل الله أن يغفر لنا ما مضي , ويصلح لنا ما بقي ,فلننظر إلي الماضي
نظرة نردفها بتوبة واستغفار ,ولننظر إلي الحاضر نظرة عزم وإصرار , وإن العام الجديد :- ليهيب
بنا كذلك أن ننظر إلي المستقبل بعين كلها يقظة وترقب , وينادينا :- أن لا
نضيع لحظة واحدة في غير عمل وإعداد ,وأن نغتنم أوقاتنا ونعرف حقها , ولئن
سودت الذنوب كثيرا من الصفحات الماضية ,فإن الله يبدلها الله بالتوبة
الصادقة حسنات مباركات ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات
ويعلم ما تفعلون , ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله
والكافرون لهم عذاب شديد ) - الشورى 25 ,26 ,
فلا تيأس ولا تقنط ,
فباب ربك واسع فسيح ,وهذه ساعات المغفرة تؤذن مع أول العام الجديد ,وهذه
نسمات القبول ترف علي قسمات وجهه الصبوح ,وهذه أضواء الهداية تشع مع هلاله
المشرق الجميل , فلا تترك الوقت يمر بك , والفرص تتوالي عليك دون أن تصل
بها إلي ما تريد , ومع العام الجديد تأتي ذكري الهجرة المباركة , وبعدها
بأيام قليلات يأتي يوم عاشوراء ,لنتلقي منهما درسا من دروس الإصلاح , ذلك
هو :- أن يمتلئ صدرك بالأمل في النجاح , فليس اليأس من أخلاق المؤمنين ,
ففي يوم عاشوراء :- أغرق
الله فرعون وجنده , بالباطل الذي كانوا ينصرونه , ونجي كليمه ومن آمن معه
بالحق الذي خرجوا في سبيله ,في وقت ظن فيه أصحاب موسى - عليه السلام - أنهم
مدركون , ( فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسي إنا لمدركون , قال كلا إن
معي ربي سيهدين ) - الشعراء 61 , 62- , وفي البخاري عن ابن عباس - رضي
الله عنهما - قال :- لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة
واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال :- "ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟" ,فقالوا
:- هذا يوم ظهر فيه موسي علي فرعون , فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
لأصحابه :-"أنتم أحق بموسي منهم فصوموه " . - تفسير ابن كثير -
وفي الهجرة المباركة :- باتت
قريش ليلة مطمئنة بأن الفجر لن يبزغ نوره إلا وقد انتهي محمد ودعوته ,وقد
ركنوا إلي خطتهم المحكمة لقتله ,حتى وقف أبو جهل وقفة الزهو والخيلاء ,
وقال مخاطبا لأصحابه المطوقين بيت النبي في سخرية واستهزاء :- إن محمدا
يزعم أنكم إن تابعتموه علي أمره كنتم ملوك العرب والعجم , ثم بعثتم من بعد
موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن , وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح , ثم
بعثتم من بعد موتكم , ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها , - الرحيق المختوم - لكن
الله أبطل كيدهم ومكر بهم وهو خير الماكرين , فخرج من بين أيديهم تحوطه
عناية ربه , وألقي التراب علي رءوسهم وهم لا يشعرون ,ووقف عند خروجه
بالحزورة في سوق مكة وقال :- "والله إنك لخير أرض الله , وأحب أرض الله إلى الله , ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " - السيرة النبوية للصلابي- قال
ذلك مخاطبا بلده التي أحبها وألفها , ولقد عز عليه أن يفارقها ويدير لها
ظهره دون أن يودعها بهذه الكلمات الرقيقة التي تفيض حبا وحنانا للبلد التي
هي :- مسقط رأسه , وفضاء أنفاسه ,وفيها مراتعه وملاعبه ومرابعه ومهاجعه ,وملاعب الصبا والشباب , (والمرء لا يستقر إلا مع راحة البال , وصفاء النفس مما يكدرها , وذلك لا يكون إلا في البلاد التي :- خلق
من ترابها , واغتذي بلبان خيراتها ,وشرب ماءها , وتنفس هواءها , وارتدي
سماءها , وصافح ضياءها ,ومشي على ترابها , وتنقل بين قراها ,وصال وجال في
وديانها وسهولها , وصعد وهبط تلالها وجبالها ,) فكيف إذا كان هذا البلد هو:- مكة البلد الحرام , أرض السلام ,وقبلة القلوب , وأمنية الشعوب ,وراحة الأرواح , ومهوي الأفئدة من الناس , هذي بلادي , وهذا منتهي أملي هذا التراب الذي أهديته زجــــلي هذا المكان به ميــــــــلاد قدوتنا هذا رياض الهدي والسادة الأول
وأكثر من ذلك أنه أمر بالخروج إلي بلد بعيد , له فيها ذكريات مؤلمة:- فمنذ
أكثر من خمسين عاما , وقبل أن يبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
النور أرسل جده والده عبد الله إلي المدينة يمتار لهم تمرا , فمات بها , وقيل :- بل خرج تاجرا إلي الشام , فأقبل في عير قريش , فنزل بالمدينة وهو مريض فمات بها , ولما
أبصرت عينه النور وبعد أن بلغ السادسة , رأت أمه وفاء لذكري زوجها الراحل
أن تزور قبره بيثرب , فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ خمسمائة كيلو متر ومعها
ولدها اليتيم - محمد وخادمتها أم أيمن وقيمها عبد المطلب , فمكثت شهرا ثم
قفلت , وبينما هي راجعة إذ يلاحقها المرض , يلح عليها في أوائل الطريق ,
فماتت بالأبواء بين مكة والمدينة , - الرحيق المختوم - ( وكأن القدر يقول لهما :- قد
انتهت مهمتكما في الحياة , وهذه النسمة المباركة , وهذا المولود الطاهر
يتولي الله عز وجل بحكمته ورحمته تربيته وتأديبه وإعداده لإخراج البشرية من
الظلمات إلي النور ) . - السيرة النبوية للصلابي- وقد استجاب لأمر ربه
وخرج , ولم يلتفت إلي شيء من ذلك , وترك ذلك كله وراءه ظهريا , ابتغاء وجه
ربه ذي الجلال والإكرام , وانطلق صوب يثرب تحوطه عناية ربه ,فما إن وطئت
قدمه الشريف أرضها حتي تغيرت له ,فتغير منها الإسم والجو والناس وكل شيء
فيها ,
فأما الإسم :- فلم تعد تسمى يثرب , بل سميت بالمدينة ,
وقد ذكرها الله في القرآن بهذا الإسم :- ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم
من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ) - التوبة
120 , ولم يعد يذكرها باسمها القديم إلا منافق معلوم النفاق :- ( وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ) - الأحزاب - 13- . وكانت أرضا موبوءة فدعا رسول الله ربه قائلا :- "
اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا , وصححها ,وبارك في صاعها
ومدها , وانقل حماها فاجعلها بالجحفة ",فطاب هواؤها وسميت طيبة , وعرفت
بهذا الاسم , حتي قال القائل عنها :- أعلام طيبة لا تهم بسواهـــا فحبيب رب العالمين ثواهـــا واعمر فؤادك دائما بهواهـا دار الحبيب أحق أن تغشاها وتحن من طرب إلي ذكراها إلى أن يقول :- طابت فإن تبغ التطيب يا فتي فأدم علي الساعات لثم ثراها لولم تكن أزكي البلاد وأطهرا ما اختارها لنبيه لمـــــا سري فبطيبها أيقن وخل من افتري وأبشر ففي الخبر الصحيح مقررا إن الإلـــــــه بطابــــــة سماهـــــــا ونهى عن تسميتها يثرب :- عن
البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال :- قال رسول الله " من سمى المدينة
يثرب فليستغفر الله , فإنما هي طابة "وفي رواية :- " هي طابة , هي طابة ,
هي طابة " ثم ألقي الله حبها في قلبه وفي قلوب أصحابه:- حتى إنه لما استدار الزمان وفتح الله له مكة ودخلها فاتحا منتصرا , وهي بلده ووطنه ومولده , قال الأنصار فيما بينهم :- أترون رسول الله إذ فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها - وهو يدعو على الصفا رافعا يديه - , فلما فرغ من دعائه قال :- ماذا قلتم ؟ قالوا :- لا شيء يا رسول الله , فلم يزل بهم حتى أخبروه , فقال رسول الله :- " معاذ الله المحيا محياكم , والممات مماتكم " , وبعد غزوة الطائف وتقسيم الغنائم , ولما وجد الأنصار علي قسمة الغنائم , قال لهم :- "فوالذي
نفس محمد بيده , لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار , ولو سلك الناس شعبا ,
وسلكت الأنصار شعبا , لسلكت شعب الأنصار , اللهم ارحم الأنصار , وأبناء
الأنصار , وأبناء أبناء الأنصار " , حتى بكي القوم وأخضلوا لحاهم وقالوا :- رضينا رسول الله قسما وحظا ,وبقي بها حتي قبض ودفن بها . وبلغ من حبه لها :- ما رواه أنس - رضي الله عنه - :- " أن النبي كان إذا قدم من سفر , فنظر إلي جدران المدينة , أوضع راحلته ( حثها على السرعة ) وإن كان علي دابة حركها من حبها " . وقال :- "
إن إبراهيم حرم مكة , ودعا لأهلها , وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم
مكة , وإني دعوت لها في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة " -
السيرة النبوية للصلابي- وحببه الله إلي كل شيء فيها :- فأحبه أهلها رجالها ونساؤها وغلمانها , وأحبه شجرها وحجرها ,
فأما الرجال :- فأحبوه حبا يفوق حد الهيام , ولم يبال أحدهم أن تندق عنقه , ولا يخدش له ظفر , فيقول أحدهم وقد صلبه المشركون وسألوه :- أيسرك أن محمدا عندنا نضرب عنقه , وأنك في أهلك ؟ , فقال :- لا والله ما يسرني أني في أهلي , وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه .
وأما النساء:- فقد مر الرسول وهو راجع من أحد بامرأة من بني دينار , وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها بأحد , فلما نعوا لها قالت :- فما فعل رسول الله ؟ قالوا :- خير يا أم فلان , هو بحمد الله كما تحبين , قالت :- أرونيه حتي أنظر إليه , فأشير لها إليه , حتي إذا رأته قالت :- كل مصيبة بعدك جلل ,- تريد صغيرة - ,
وأما الغلمان :- فقد قال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - :- إني
لفي الصف يوم بدر إذ التفت , فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ,
فكأني لم آمن بمكانهما , إذ قال لي أحدهما سرا عن صاحبه :- عم , أرني أبا
جهل , فقلت :- يابن أخي , فما تصنع به ؟ قال:- أخبرت أنه يسب رسول الله ,
قال :- والذي نفسي يبده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتي يموت الأعجل
منا , فتعجبت لذلك ,قال :- وغمزني الآخر , فقال لي مثلها , فلم أنشب أن
نظرت إلي أبي جهل يجول في الناس فقلت :- هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه ,
قال :- فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتي قتلاه , ثم انصرفا إلى رسول الله فقال
:- " أيكما قتله ؟" فقال كل واحد منهما :- أنا قتلته , قال :- " هل مسحتما
سيفيكما ؟" , فقالا :- لا , فنظر رسول الله إلي السيفين فقال :- " كلاكما
قتله " , - الرحيق المختوم -
وأما أحجارها :- فقد روي البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال :- أن
النبي طلع له أحد فقال :- " هذا جبل أحد يحبنا ونحبه " ,وقد اهتز طربا
لصعوده فوقه :- فروي البخاري كذلك عنه أن النبي صعد أحدا وأبو بكر وعمر
وعثمان , فرجف بهم , فضربه برجله فقال :- "أثبت أحد , فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان " . وأما شجرها :- فقد
حن له جذع النخل الذي كان يخطب عليه لما تركه إلي المنبر , وسمع الناس
أنينه ولم يسكت حتي نزل رسول الله ووضع يده عليه , ثم أمر بوضعه داخل
المنبر ,فقد ورد في البخاري :- " كان رسول الله يخطب إلي جذع , فلما اتخذ المنبر تحول إليه , فحن الجذع , فأتاه فمسح عليه , " وفي رواية أخرى :- " فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل صوت العشار , حتى نزل رسول الله فوضع يده عليه " وفي رواية:- "فأتاه فاحتضنه فسكن , فقال " لو لم أحتضنه لحن إلي يوم القيامة " وزاد
غيره :- فأمر به فدفن تحت المنبر ,وكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكي
وقال :- يا عباد الله , الخشبة تحن إلي رسول الله شوقا إليه لمكانه فأنتم
أحق أن تشتاقوا إلى لقائه .
أرأيتم أعجب من هذا ؟ هذا رسول الله
يترك بلده التي أحبها , وأهله الذين تربي ونشأ بينهم , امتثالا لأمر ربه ,
فيعوضه ربه بلدا أخري يحبه كل شيء فيها ,حبا يفوق الوصف :- وسلوه وحن جذع إليـــه وقــلوه ووده الغـــربــــاء وكفته بنسجها عنكبوت ما كفته الحمامة الحصبـاء وألقى الله حبها وحب أهلها في قلبه ,إعلانا لكل الناس أنه :- من
ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه , ومن كان في الله تلفه كان على الله
خلفه, ليزرع بذلك الأمل في نفوس من تسرب اليأس إلي قلوبهم , فقعدوا
واستكانوا , وأقعدهم اليأس عن العمل , فإنه :- ( لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) - يوسف 87- يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفــــــــارج الله اليأس يقطع أحيانا بصاحبــــه لا تيأسن فإن الكافــــــــــي الله وإذا بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البـلوي هو الله الله يحدث بعد العسر ميســـرة لا تفزعن فإن الصـانــــــع الله والله ما لك غير الله من أحــــد فحسبك الله , في كــــل لك الله
فإذا اشتدت أزمة فقد اقترب موعد انفراجتها , ولربما يأتي الفرج من حيث لا يتوقع , متى لجأنا إلي مفرج الكروب وكاشفها :- ولرب نازلة يضيق بها الفتي زرعا , وعند الله منها الخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت , وكنت أظنها لا تفرج
وحسب الذين يحملون الرسالات ويقومون بالدعوات من عوامل النجاح :- أن
تمتلئ صدورهم بالأمل في النجاح , فليس اليأس من أخلاقهم , غير أن تحقيق
هذا الأمل يحتاج إلي عمل قوي منتج مؤثر , كما عمل رسول الله ,فأعدوا أنفسكم
,وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة , والاختبار الدقيق ,وامتحنوها بالعمل
القوي البغيض لديها , الشاق عليها ,وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها
وعاداتها ,وفي الوقت الذي يكون فيه منكم ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها
نفسها :- روحيا :- بالإيمان والعقيدة , وفكريا :- بالعلم والثقافة , وجسميا :- بالتدريب والرياضة , في
هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار , وأقتحم بكم عنان السماء ,
وأغزو بكم كل عنيد جبار , فإني فاعل إن شاء الله , وصدق رسول الله القائل
:- " ولن يغلب اثنا عشر ألف من قلة " , إني أقدر لذلك وقتا ليس طويلا
بعد :- توفيق الله , واستمداد معونته , وتقديم إذنه ومشيئته ,وقد تستطيعون
أنتم أن تقصروا هذا الأجل إذا :- بذلتم همتكم , وضاعفتم جهودكم , وقد
تهملون فيخطئ هذا الحساب , وتختلف النتائج المترتبة عليه , فأشعروا
أنفسكم العبء ,وألفوا الكتائب (لأن فيها مران على حسن الصلة بالله ) ,و
كونوا الفرق (لأن تكاليف الاسلام كلها لا يمكن أن تؤدي بصورة صحيحة إلا
بالجسم القوي , الذي يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق )
,وأقبلوا على الدروس (لأن فيها تنوير للعقول والأفهام ) ,وسارعوا إلي
التدريب ,وانشروا دعوتكم في الجهات التي لم تصل إليها بعد ,ولا تضيعوا
دقيقة بغير عمل . وابتغوا بعملكم وجه الله ,وتحصيل مثوبته ورضوانه , وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين , ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال , ولكن كلفكم :- صدق
التوجه , وحسن الاستعداد ,ونحن بعد ذلك :-إما مخطئون فلنا أجر العاملين
المجتهدين ,وإما مصيبون فلنا مع ذلك ضعف الفائزين المصيبين ,على أن التجارب
في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه :- لا خير إلا في طريقكم ,ولا إنتاج
إلا مع خطتكم ,ولا صواب إلا فيما تعملون ,فلا تغامروا بجهودكم , ولا
تقامروا بثمار نجاحكم ,واعملوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم , والفوز
للعاملين( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم )- البقرة
143- فلا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين ,وحقائق اليوم أحلام
الأمس , وأحلام اليوم حقائق الغد ,ولا زال في الوقت متسع ,ولا زالت عناصر
السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة , رغم طغيان مظاهر الفساد
,والضعيف لا يظل ضعيفا طول حياته ,والقوي لا تدوم له قوته أبد الآبدين(
ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ,
ونمكن لهم في الأرض ) - القصص5, 6 - لقد خاطبت المتحمسين منكم أن
يتريثوا وينتظروا دورة الزمان ,وإني لأخاطب المتقاعدين أن ينهضوا ويعملوا
,فليس مع الجهاد راحة( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع
المحسنين )- العنكبوت 69- - المؤتمر الخامس - (إلا تنصروه فقد نصره الله
إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن
إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين
كفروا السفلى وكلمة والله هي العليا والله عزيز حكيم ) - التوبة 40- وصلي الله على سيدنا محمد , وعلى آله وصحبه وسلم .