التربية البدنية للصغار

إعلان الرئيسية

التربية البدنية للصغار
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد
التربية البدنية تهدف إلى بناء الجسد بناءًا قويًا، وهذا أمرٌ ندبنا إليه شرعنا وأمرنا به ديننا ولم يقل أحد من علماء الإسلام أن الرياضة في جانب والدين في جانب أو أن بناء الجسم لا يتفق مع بناء الروح بل إن الإسلام جعل بناء الجسم وبناء الروح معًا سبيلان لإرضاء الله تبارك وتعالى وتحقيق الهدف الذي من أجله خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان)() 
 المؤمن القوي في العبادة..في الطاعة... في العمل... في التخصص الذي يتقنه... في كل الخير...أفضل من المؤمن الضعيف وفي تمام الحديث:احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ولا تقل لو كان كذا لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان... هكذا أمرنا الإسلام.
والأطفال بالذات يحتاجون إلى مساحة أكبر من اللعب والحركة ومن منهج الإسلام ألا يضيق عليهم بل يسمح لهم بمتنفس لائق لإخراج هذه الطاقة كما سمح الرسول صلى الله عليه وسلم للحبشة ليلعبوا بحرابهم وفي المسجد كما سمح لعائشة -  الجارية الحديثة السن - بالنظر إليهم. فسمح لهم باللعب ولعائشة بالمشاهدة والمتابعة.  فعنها قَالَتْ: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِى، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ). ()
و إذا تحدثنا عن الأطفال وجدنا أن التريض مطلوب للأطفال على ما هو أوجب منه إزاء الكبار..لماذا؟
  والجواب:لأمور:الأول:أن الأطفال لديهم مساحة وقتية أطول منها لدى الكبار؛ وكثرة الفراغ لدى الأطفال مشغلة وملهاة ينبغي أن نحسن استغلالها واستخدامها، وقديمًا قالوا:ما لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل ولذلك لابد أن نستثمر هذا الفراغ.
 والثاني:لكي نطرد الأمراض عن بدن الطفل، لأنه عرضة للأمراض بسبب ضعف جهازه المناعي فينبغي عليه أن ينشط بدنه باللعب والحركة و التريض.
والثالث: من أجل بناء الجسم القوي منذ الصغر حتى لا يترهل البدن، والرياضة في الصغر أمرها هين، وقديمًا قالوا:من العنت رياضة الهرم، ومن التعذيب تهذيب الذيب، ومن شب على شئ شاب عليه.
الرابع:تفتح الرياضة الذهن وتفتق المواهب وتصقلها في وقت مبكر فينشط بها العقل وتأخذ ملكة الإبداع طريقها للظهور وقد روي أن: (عرامة الصبى فى صغره زيادة فى عقله فى كبره) (الحكيم عن عمرو بن معد يكرب).() يعني حدته وكثرة لعبه وشراسته.()  من سبق الإسلام في فتح الاكتشاف المبكر لمجاهيل النفس البشرية.
 والإسلام بدوره لم يجرم الرياضة بل حض عليها وجعل لها شأنًا عظيمًا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في أن يقوي بدنه وأن يقوي أبدان الصحابة الكرام بالتدريبات المستمرة، فإذا بنا نسمع آيات الذكر الحكيم تحدثنا عن القوي الأمين هو سيدنا موسى عليه السلام (إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيّ الأمِينُ).() الذي سقى للفتاتين  وكانت قوته في خدمة قضايا الحق، ووقفا على المستضعفين لا لمساندة الظالمين (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ).()
 وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يصرع ركانة الرجل الذي لم تكن تصرعه الرجال.
 وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم أن يثبوا على ظهور الخيل وثبا)، يعني يقفز قفزة واحدة فيكون على ظهر الخيل، وهذا لا يتحصل للراكب إلا بعد تدريبات شاقة، فهكذا كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يوصي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 إذن هذه أمور لم ينكرها الشرع، بل أمر بها وحض عليها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يشجع الناس أحيانا فعن سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ رضى الله عنه قَالَ مَرَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - (ارْمُوا بَنِى إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِى فُلاَنٍ). قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  (مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ). قَالُوا كَيْفَ نَرْمِى وَأَنْتَ مَعَهُمْ. قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم  (ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ).()
     وأحيانا يفاضل بين أنواع الرياضات والتدريبات فيقول: (... ارموا واركبوا وان ترموا خير من ان تركبوا) فانظر كيف لفت انتباههم للأولى فالأولى.
   وقال كل شيء يلهو به بن آدم فهو باطل الا ثلاثا رمية عن قوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق قال فتوفي عقبة - راوي الحديث -  وله بضع وستون أو بضع وسبعون قوسا مع كل قوس قرن ونبل وأوصى بهن في سبيل الله.() وعلق شعيب الأرنؤوط:حديث حسن بطرقه وشواهده.
     فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يحض على ما هو أوجب وما هو ألزم وما تحتاجه الأمة أكثر وأكثر. والسؤال:اليست هناك ضوابط لهذا اللعب أم هو مطلق بلا ضابط ولا رابط؟
 الجواب: ضبط الإسلام المسألة فلم يقهر الطفل ولم يكبته ولم يجرم اللعب أو التريض وبناء الأجسام، ولم يطلق له العنان فينزلق فيما يفسد بدنه ودينه، بل قنن هذا الأمر ونظمه كما هو شأن الإسلام في كل الأمور، فهو دين الوسطية (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا).()
ضوابط التربية البدنية في الإسلام:
 هناك ضوابط تحكم التريض في الإسلام، ومن هذه الضوابط:
أولا: أن يرتبط بالنية الصالحة أي:أن الطفل يتريض ليقوى بدنه لا ليكون بطلاً يقهر الناس ويضرب الضعفاء ويستطيع أن يغلب الناس بحق وبغير حق، هذه نية باطلة.  بل ينبغي أن ينوي نية ذي القرنين (قَالَ مَا مَكّنّي فِيهِ رَبّي خَيْرٌ).() صلى الله عليه وسلم رافع بن حديج وهو دون سن 15 سنة وكان يرد من هم في سنة لماذا؟ لأنه كان يجيد الرمي فحصل له استثناء لأجل هذه الموهبة. لكن سمرة بن جندب وهو أيضا دون سن 15 أصر على المشاركة وطرح سببا وجيها وهو أنه يصرع - يغلب غي المصارعة - رافعا فسمح لهما الرسول بالمصارعة فغلب سمرة رافعا فأجازهما الرسول معا رافعا لمهارته في الرمي وسمرة لجلده في المصارعة. وهكذا تكون المسابقات ويكون التشجيع لأجل الهدف الأسمى النبيل.
 استطيع أن أنوي أن يكون هذا التريض وهذه المسابقات وهذه المباريات لنصرة الحق وإعزازه لا لقهر الضعيف وإذلاله أو العكس.
فكثير من الناس يتعلم التريض ويقوي بدنه بنية أن يأخذ وأن يسلب حقوق الضعفاء، كما يشاهد الأطفال أفلام سوبرمان وأفلام الرعب الخيالية فيتقمصون شخصية البطل وإن قتل وظلم،  والمسلم ليس كذلك.
 ولو ضبطناه بالنية الصالحة يكون  وسيلة وليس غاية لذاته، وهذه الوسيلة تأخذ حجمها في سلم أولويات التكاليف الشرعية.
ثانيا: أن يكون غير متلبس بمخالفة شرعية يعني: أن تكون اللعبة مباحة فلا يكتنفها معصية، فنحن ملزمون مثلا بستر العورة في اللعب وغير اللعب، وهذا للكبير والصغير، وهذا علي رضي الله عنه وأرضاه يوصي الغلام ألا يبرز فخذيه لأن الفخذ عورة.
 وكأن تكون السباحة مثلا في حمام سباحة مختلط بين الرجال والنساء أو الأولاد والبنات فهذا محرم، وغياب هذا الضابط يحول السباحة من عمل مشروع إلى عمل محرم.
 كما لا يلتبس اللعب بمحرم كالمقامرة على سبيل المثال والتي يتلبس على بعض الناس أمرها على أنها رهان.
 كما لا يجوز أن يكون اللعب والتريض على حساب سمعة المسلم وعرضه كأن يكون في موقف تهمة و ريبة، كأن يرتاد أماكن الفساق والمخمورين فيساء الظن به.. وهكذا.
إنها أمور تتعلق بالأدبيات وبالأوامر والنواهي وتحرص على الوجهة الشرعية التي ينبغي أن يلتزمها المسلم حينما يريد أن يبني جسده، وتساهل كثير من الناس فيها لا يضفي عليها الشرعية.
وهناك من ألوان الرياضات ما فيه مخاطرات ومخالفات كمصارعة الثيران ومصارعة البشر حتى الموت وغير ذلك من الرياضات الفاسدة.
 ثالثا:ألا يكون التريض على حساب ما هو أوجب وألزم بمعنى أننا نحرم على الطفل ـ وغيره ـ  أن يلعب بالكرة في وقت الصلاة، إنه حين أذن المؤذن فلم يجبه يكون ترك أمرًا إلاهيًا واجبا لأمر ربما لا يعدو أن يكون مباحا. فحينئذ يكون التريض حرامًا لأنه على حساب واجبات الشرع، كما لا ينبغي ألا يلهي أيضا عن ذكر الله، واستذكار الدروس وطاعة الوالدين...وهكذا.
 رابعا: ألا يستزيد من اللعب والتريض بما يؤدي إلى إتلاف البدن وذلك بإدمان اللعب،  وهو ما يجعل المرء في مهلكة دائمة. فبعض الأولاد يصل لعب الليل بالنهار فيصير مدمنًا للكرة أو السباحة أو العدو أو الكمبيوتر...  حينئذ يتدخل الإسلام ليضبط الأمور ويعيدها إلى الوضع الصحيح  فيقرر أن للدين حقا وللبدن حقًا  وللوالدين حقًا وللمجتمع حقًا فينبغي أن يعطى كل صاحب حقٍ حقه.
خامسا:أن تكون اللعبة مناسبة لسن الطفل وجنسه فلا تنافس البنت الولد فيما لا يتناسب مع أنوثتها من أنواع الرياضات ولا عكس وهناك ألعاب مشتركة لا حرج فيها المهم أن يكون التوجيه واعيا فانظر كيف راعى الرسول السن في اختيار عناصر المجاهدين وسمح للحبشة بلعب الحراب في المسجد ولم يسمح بنفس اللعبة لعائشة واقتصر الأمر بالنسبة لها على المشاهدة فتأمل التوجيه النبوي الرشيد.      وبعد:هذه بعض الضوابط التي وضعها الإسلام للرياضة في الإسلام عمومًا وبالأخص ما يخص الأطفال والنشئ والصبيان.

التربية العقلية والعلمية للأبناء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعيين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
....وبعد:
إن التعليم الهادف والمتكامل للأطفال ضرورة حياتية وحق أصيل لهم على من حولهم وواجب ينبغي أن يقوم به المجتمع بأسره تجاه أطفاله فضلا عن سائر أفراده  ولا يخفى أننا نقصد بالأطفال الذكور والإناث.
   وإن بعض الناس ـ بدعوى حبه لأولاده ـ   لا يريد أن يزعجهم وأن يزج بهم في حلبات الدراسة والتعليم والتثقيف، فإذا به يطلق لهم العنان  في التفلت وعدم المسئولية فيخرج الولد منهم جاهلاً يزداد به المجتمع الذي هو فيه جهلاً إلى جهله.
     والإسلام أمرنا أن نقوم بواجبنا إزاء هؤلاء الأطفال فكما أن للوالد حقًا على ولده فإن للطفل كذلك حقًا على أبويه وأولى هذه الحقوق أن نعلم الولد العليم النافع والهادف والمتكامل وأقول والهادف والمتكامل لكي استثني الأمور الأخر التي تنادى الناس بالتعارف عليها على أنها من علامات النبوغ و الفهم و الرقي والتقدم، وهي في الأصل دلائل الميوعة والانحلال وربما الجريمة والإلحاد. وتأمل هذا السؤال الذي سأله الخليفة المنصور إلى بعض المسجونين من الخوارج فقال له: ما أشد ما لقيتم في في الحبس؟  يعني أشد ألوان العقاب أنزلناه بكم وأنتم في السجن،  فانظر بما الذي أجاب الخليفة؟ لم يقل الرجل قسوة السياط أو طول الحبس أو ظلمة السجن وما إلى ذلك.. لكنه قال:ما فقدنا من تربية أولادنا وتعليمهم!!.
ولما شكا رجل ولده لعمر وعلم أن الوالد لم يعلم ولده ولم يختر له أما ولا اسما قال قولته الشهيرة:يا هذا لقد عققت ولدك قبل أن يعقك.
وهذا النوع من التعليم الذي أقصده له مرتكزات يجب أن يقوم عليها.
مرتكزات التعليم الهادف والبناء:
أولا: أن  يؤسس على العقيدة الصحيحة وأن هناك إلها له على عباده حق الطاعة والعبادة،  وأنه رب الكون يصرفه كيف يشاء، وأن الله يبعث من في القبور، وأن هناك حياة بعد هذه الحياة،  وأن هناك حسابا وجزاءا.  يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس الغلام الصغير « يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء، قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف » صحيح أحمد والترمذي والحاكم. ()
    فالإسلام يؤسس العلم على العقيدة من كتاب وسنة، ليكون الطفل صحيح التصور للقضايا الكبرى في الكون والحياة.
       أسئلة ثلاثة لابد أن نثبتها في عقل كل الطفل، من أين جئنا؟ ولماذا جئنا؟  وإلى أين المصير؟، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ).()
      إنه يربط الطفل بالهدف من وجوده في هذه الحياة الدنيا، مدعوما بالكتاب والسنة وسيرة الرسول والمغازي وطبيعة الصراع بين الكفر والإيمان والحق والباطل عبر التاريخ يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه  كنا نعلم أبناءنا مغازي رسول الله كما نحفظهم السورة من القرآن، إذن ينبغي أن يؤسس العلم على العقيدة الإسلامية الصحيحة.
ثانيًا:أن يؤسس هذا العلم على الحقيقة لا الخيال.
     إننا نرتكب جناية في حق الأطفال يوم أن نؤسس أفكارهم على أفلام الكرتون والأفلام الخيالية فيخرج الطفل بعد ذلك إلى الواقع فيصدم به، فلا يجد الإنسان الذي يطير ولا الضفادع التي تتكلم ولا شيئا من هذا أو ذاك، فيحصل لديه إنفصام في الشخصية، والله عز وجل يقول (وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا).()
        هذه المواد وأمثالها هي التي تسمم عقول الأطفال وتجعلهم غير قادرين على تكوين مفهوم محدد حول أية قضية من القضايا..
فينبغي أن يؤسس العلم على الحقائق لا الظنون، على الأصول لا الخيالات، وإلا فنحن نكذب على الأجيال القادمة ونخون الأمانات، فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه أنه قال:دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد في بيتنا فقالت ها تعال أعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم " وما أردت أن تعطيه؟ " قالت أعطيه تمرا فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم " أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة ".()
فالضحك على الأطفال وخديعتهم جريمة شعواء وجناية نكراء.
 ثالثا: شمولية المعرفة، فلا تقتصر على التعليم الشرعي فقط ولا على الجانب العلمي التجريبي فقط  وإنما تشمل الأمرين وكلمة العلم وردت في القرآن الكريم تدل على الأمرين ففي سورة الزمر قال الله تبارك وتعالى (أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ).() وقوله تعالى في سورة محمد (فَاعْلَمْ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلا اللّهُ).() فهذا في العلم الشرعي.
       أما عن العلم التجريبي فإنا نجده في سورة فاطر في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أنَزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ*وَمِنَ النّاسِ وَالدّوَآبّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).() فتحدثنا الآيات عن علم الأجناس والسلالات البشرية وعلم الجيلوجيا وعلم الفلك وعلم النبات وغير ذلك  كل هذا موجود في الآيتين ثم جعل العلم بهذه الأشياء التجريبية من الأشياء التي تقرب إلى الله وتؤدي إلى خشيته ومعرفته فهي سبيل واضحة للتعرف على الخالق سبحانه وتعالى، ومن كان بالله أعلم كان لله أخشى، (إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وعلينا أن نسير في الركبين، في العلم الشرعي وفي العلم التجريبي، كما كان أسلافنا، وألا نقيم حضارتنا على الجانب المادي دون الروحي كما فعلت الحضارة الحديثة، أو الروحي دون المادي كما فعلت النصرانية في العصور الوسطى، فالإسلام دين الشمول، والكمال:(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).()
 وقد نعى الإمام الغزالي على بلدته بأن بها ثمانية عشر فقيها وليس بها إلا طبيب غير مسلم تنكشف عليه نساء المسلمين عند التداوي، فينبغي علينا أن نراعي هذه الأمور في وضع خطة العملية التعليمية للأطفال.
رابعا:أن نراعي الأولويات في العلم ونقدم الأهم فالأهم مما يحتاجه الفرد والأمة من العلوم المختلفة، ومن نصائح الحجاج بن يوسف أنه قال لبعض جلسائه: علم ولدك السباحة قبل الكتابة فإنه يجد من يكتب له ولا يجد من يسبح له.
     ينبغي أن نعلم أطفالنا للمهمة التي ننتدبهم إليها حينما يكبرون، لا نعلمهم أشياء هامشية قد لا تنفعهم أو أشياء قد تنفع لكننا نحتاج إلى ما هو أنفع  منها؛ فتوجيه طاقات الأطفال واكتشاف النوابغ والنابهين وتوجيههم في المجالات التي تخدم الأمة مع مراعاة الأولويات  مطلب شرعي ينبغي أن نلتفت إليه.
    وكان سلفنا يعنون بالكشف المبكر عن الموهوبين في الصغر، وسئل أحدهم كيف تعرفون أمارات النبوغ في الصبيان فقال: نراقبه في لعبه  فإذا قال مع من ألعب؟  قلنا هذا سيكون ذيلاً وتابعا، وإن سمعناه يقول: من يلعب معي؟ قلنا هذا سيكون رأسًا وإماما.
  إن تعليم الولد وتثقيفه بالثقافة الهادفة النافعة أمرٌ ألزم الله به الكبار في المجتمع تجاه صغاره.
 عصمنا الله وإياكم من الذلل ووقنا شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن.


          منهج الإسلام في اللهو المباح والترويح المشروع للأطفال
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعيين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
كلامنا اليوم عنمنهج الإسلام في اللهو المباح والترويح عن الأطفال وكذلك في الأعياد وغيرها من المناسبات السارة.
 كثيرٌ من الناس يستبيح لنفسه أن يلهو فوق المشروع وبعضهم يعنف الناس على ما هو مباح ومشروع  من أنواع اللهو  فما منهج الإسلام في مثل هذه الأمور؟
في البداية نَودّ أن نذكر بأن الإسلام قدر في النفس البشرية ميولها وكان الإمام رضي الله عنه وأرضاه يقول:روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا أكره عمي..، فالترويح مطلوب ولكن ما حدود هذا الترويح؟
 إن بعض الناس يظن أن الترويح الذي أمر به الإسلام أو أباحه الإسلام ترويح في ما حرم الله عز وجل بحجة حديث ساعة وساعة، وهذا ادعاء باطل وزعم كاذب.
تصحيح مفهوم:ساعة وساعة
وها نحن نبسط بين يديك حديث  رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِىِّ قَالَ - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: - لَقِيَنِى أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ: قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم: «وَمَا ذَاكَ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِى وَفِى الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِى طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً»().
جلس حنظلة بين أهله وأولاده ففكر قائلا:نجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأن على رؤسنا الطير فإذا انقلبنا إلى إلينا عافسنا الأزواج وداعبنا الأطفال وتكلمنا في الضيعات ونسينا كثيرًا...فعد حنظلة هذا من النفاق ونطق قائلاً:نافق حنظلة فلقيه أبو بكر رضي الله عن الجميع فقال له الصديق وما نفاقك يا حنظلة؟ فذكر الخبر، فقال أبو بكر إنا لنجد كما تجد يا حنظلة يعني عندنا الذي عندك وأنا مثلك، وانطلق الرجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفتيهم في هذه المسألة،  وذكرا له الخبر فقال لهما الرسول صلى الله عليه وسلم:« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِى وَفِى الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِى طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً » وهنا بيت القصيد.
 فما الذي تعنيه عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة وساعة؟
 بعض الناس يقول ساعة لقلبك وساعة لربك، ويظن جهلاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن تكون هناك ساعة في الحلال وساعة في الحرام، كأن تكون ساعة في شرب الدخان، والنيل من أعراض الناس في الطرقات وفي مجالس اللهو والمجون، وساعة في العبادة والطاعة والجلوس بين يدي العلماء، وهذا ليس مقصود رسول الله أبدًا.
ساعة في المباح وساعة وفي الواجب
إنه ينبغي علينا أن نتعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان يجيب على تساؤل حنظلة ويفك إشكالاً قائمًا فحنظلة يريد أن يكون وهو في بيته على نفس المستوى الإيماني  والروحي الذي يكون عليه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم. يريد أن تكون حياته في درجة واحدة من الصفاء وعلوا المكانة وسموالروح  إلى وتطلعها إلى ما عند الله في الآخره، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يفهمه أنه يباح له أن يروح عن نفسه بساعة في المباح (الحلال) مع الساعة التي هي  في العبادة المحضة. وساعة المباح هذه يستعان بها على إكمال مشوار العبادة.  فمداعبة الأطفال و اللعب معهم حلال ومداعبة الأزواج كذلك.
إذن مقصود الرسول أنها ساعة في المباح من المنافع وتحقيق مطالب  النفس وابتغاء ما أحل الله لها، وساعة أخرى في الواجب وهو الأصل من صلاة وتعليم وتعلم علم وزكاة وصيام وحج وما إلى ذلك.
         فرسول الله صلى الله عليه وسلم  ندبنا لكي نداعب الأطفال وكان هو الأسوة في ذلك فعن عبدالله بن الحارث قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيد الله وكثير بن العباس ثم يقول من سبق إلى فله كذا وكذا قال فيسبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم. ()
           بل كان  يلقى الأطفال في الطريق فيسلم عليهم هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمانع ممازحة الطفل  وهو من هو صلى الله عليه وسلم ولم يعتبر التجهم و التقشف لونا من التربية الصارمة التي تفيد الأطفال، وإنما قدر فيهم الصغر والحاجة إلى المداعبة والترويح، بل كان الطفل منهم يركب على ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فما كان يقوم من سجوده حتى ينتهي الطفل من اللعب يعني يشبع من اللعب فعن عبد الله بن شداد:بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذ جاء ه الحسن فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته قالوا قد أطلت السجود يا رسول الله حتى ظننا أنه قد حدث أمر فقال:" إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته".()
         هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقدر اللعب أو حب الطفل للعب والترويح.
           بل أن الحبشة لعبوا بالحراب في المسجد ورسول الله ينظر صلى الله عليه وسلم، ينظر إلى لعبهم وتقوم خلفه السيدة عائشة وتستأذنه صلى الله عليه وسلم في أن تنظر فيأذن لها فعنها قَالَتْ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِى، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ.()
وفي رواية أخرى:فجعل رسول الله يراوح بين رجليه ويقول:شبعت فأقول لا  وإنمافعلت عائشة ذلك ليقدر الناس حق الجارية الصغيرة حديثة السن في اللهو والترويح.   
 ولك أن تتخيل  وقوفها خلف النبي للتفرج والنظر إلى اللعب..يعني أذن النبي للأطفال باللعب، وأذن لعائشة رضي الله عنها أن تتفرج.
       بل كان يلاعب الحسن أو الحسين ويطاردهم ممازحا في بعض الطرقات فيجري الطفل منه ويفر منه هكذا وهكذا فيمسك به رسول الله صلى الله عليه وسلم  فعن يعلي العامري أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:إلى طعام دعوا له، فإذا حسين يلعب مع الغمان في الطريق فاستقبل أمام القوم ثم بسط يده وطفق الصبي يفر هاهنا مرة وهاهنا، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل إحدي يديه تحت ذقنة والاخرى تحت قفاه ثم أقنع رأسه فوضع فاه على [فيه] فقبله فقال:" حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الاسباط " ().
إذن اللعب والترويح ليس ممنوعًا بل أمر مباح شرعًا ونحن مأمورون بالتنفيس عن هذه القلوب بشرط أن يكون في المباح وليس في الحرام، وألا يكون على حساب الواجبات الأهم وليس على حساب الأمور التي فرضها الله سبحانه وتعالى وسنها لنا رسوله صلى الله عليه وسلم وبذلك نستفيد أن حديث ساعة وساعة الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم  ساعة تكون في المباح  وأخرى في الواجب المحض كصلاة، وصيام. كالولد يذهب إلى الكتّاب أو المدرسة هذه ساعة، ثم تأتي الساعة الأخرى في اللعب والترويح.
    وليس عيبًا من وجهة نظر الشرع أن يخرج الرجل ومعه زوجته وأولاده إلى بعض الحدائق ليتنسموا الهواء الطيب ليس هذا محرمًا بل أمر به الإسلام وحض عليه بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسابق عائشة وهي زوجته فكانت تسبقه مرة ويسبقها مرة فعن عائشة قالت:سابقني النبي صلى الله عليه و سلم فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني فقال النبي صلى الله عليه و سلم:(هذه بتلك) ().
والخلاصة:أن الإسلام ليس ضد لهو الطفولة البرئ بل ضبطه وهذبه وحضنا أن نراعي نفسيات هؤلاء الأطفال وأن نلبي احتياجاتهم في ما ليس محرمًا شرعا فهو ليس دين التعقيد والكبت الذي يقهر الأطفال ويجعلهم معقدين نفسيًا، وقد روي:عرامة الصبى فى صغره زيادة فى عقله فى كبره (الحكيم عن عمرو بن معد يكرب) ذكره الحكيم (2/346).يعني حدته وكثرة لعبه وشراسته().
فالإسلام دين التوازن،  أمرنا أن نروح عن أنفسنا بالمباح ساعة وأن نلزمها طريق الجادة ساعة أخرى، وكلٌ يرضي الله رب العالمين كما كان يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه: لست أدري أحتسب أيهما عند ربي نومتي أو قومتي يعني إذا أنا  قمت فأنا في عبادة وإن أنا نمت فأنا أنام بنية قضاء حق البدن والاستعداد لقيام ليل.
وكان أطفال الصحابة يلعبون ويتسابقون ويلهون كما روي من لعب عائشة رضي الله عنها بأرجوحتها، وروي أيضا لعبها بحصان له جناحان فلما تعجب الرسول من الحصان ذي الجناحين ردت عليه بأنها كخيل سليمان فضحك رسول الله..والقصص في ذلك كثيرة، هذا وقد صاغ الشرع منهم بهذا التوازن نفوسا ذكية طاهرة  مهذبة مطمئنة سوية خالية من التعقيدات تعرف الواجب فتلتزمه وتعرف المباح وتأخذ منه بقدر ما تكمل المشوار في المسير إلى رب العالمين.
الرحمة بالصغار من منظور الإسلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخوتي في الله..وبعد:
فهذه تطوافة سريعة مع منهج الإسلام في تربية الأطفال وبناء الأسر على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
    تفرد المنهج الإسلامي بكثير من الأمور والتدابير الحياتية التي تحفظ الأسر وتقيم المجتمعات مما لم يوجد في شريعة أخرى وضعية كانت أو سماوية محرفة، وها نحن اليوم نتحدث بحول الله ومشيئته عن جانب ضروري مما تميز به الإسلام ألا وهو:رحمته بالصغار والأطفال.
    إن الرحمة خلقٌ قرره الإسلام في نصوص كثيرة،  وبات هذا الخلق من أبرز سمات هذا الدين وصفات نبي الإسلام:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).()
          والأطفال هم عُمُد كل أمة وأطفال اليوم هم رجال الغد ولذلك أمر الإسلام أن يعطف عليهم وجرم كل وسائل القهر والإذلال التي تنزل بهم،  وإن الأمم التي تقهر الأطفال  أمم شقية، وكثيرًا ما يخرج الطفل بعد ذلك حاقدا على المجتمع الذي لم يرحمه في صغره.
وفي مواطن كثيرة يعلمنا الإسلام كيف نعطف على الأطفال. وهناك نقاط في غاية الأهمية نريد أن نركز عليها..
 النقطة الأولى:تقرير الإسلام بضعف الطفل وقلة احتماله، نلمس ذلك من قوله تعالى:(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً).()
وجعل الولدان على رأس قائمة المستضعفين الذين يجب حماية حقوقهم والنهوض للدفاع عنهم.
(إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا).() وإن كانت الرحمة بالأطفال جبلة يجبل عليها الإنسان السوي إلا أن الإسلام حرس هذه القيمة من انحراف بعض الأشخاص والذي يؤدي بهم إلى ممارسة ألوان القهر والإذلال على هؤلاء الضعاف الصغار.
النقطة الثانية:
       وتأسيسا على ذلك فلا يجوز أن يكلف الطفل من الأعمال ما لا يطيق مما يلحق به الضرر والقهر ولذلك أمر الإسلام برحمة الأطفال.
إن الطفل و إن كان اليوم  كيانغ ضعيفا فهو أعظم مشروع تنتظره الأة في الغد  إذ تنتظر منه أن يكون رجلا نافعا لنفسه ولأمته.
الثالثة:حق الطفل في المداعبة والملاطفة:فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  كثيرًا ما يداعب الأطفال ويتلطف بهم فها هو يقبل أولاده الحسن والحسين فعَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ). ()
 وعن أبي عثمان أن عيينة بن حصن قال لعمر - ورآه يقبل بعض ولده - فقال:أتقبل وأنت أمير المؤمنين؟ لو كنت أمير المؤمنين ما قبلت لي ولدا، فقال عمر:الله؟ الله؟ حتى استحلفه ثلاثا، فقال عمر:فما أصنع إن كان الله نزع الرحمة من قلبك، إن الله إنما يرحم من عباده الرحماء.()
 فهذا الرجل الأعرابي الأقرع بن حابس يدخل علي النبي قائلا مستغربا  هل تقبلون أطفالكم؟! كأن تقبيل الطفل لدى هذا الرجل أو في مفهومه الصحراوي والبدوي جريمة، إن هذا الرجل عاش في الصحراء ونقل من طباعها الفظة القاسية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم   فقال الرجل:إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم واحدًا قط  وكذلك قال عيينة لعمر فكان الجواب أن الحنو على الطفل من مظاهر الرحمة التي لا تنزع إلا من الأشقياء!،  نعم..إن الرحمة لا تنزع إلا من شقي، والرحمة تتجسد في أبهى صورها يوم تكون حنوا على الضعفاء لا سيما مع الأطفال الذين لم يجر عليهم القلم، وما اقترفوا جرما يحاسبون عليه..
 وكان النبي صلى الله عليه وسلم  يضاحك الحسن والحسين ربما مشى على يديه وركبتيه وأركبهما على ظهره ويقول نعم الجمل جملكما، ونعم الفارسان أنتما! فعنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعَلَى ظَهْرِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ يَقُولُ: (نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ الْعِدْلانِ أَنْتُمَا). ()
      بل أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان يتجوز في الصلاة إذا سمع بكاء الطفل رحمة بهذا الطفل الضعيف الذي يبكي لأن أمه انشغلت عنه بالصلاة التي حبستها خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  (إِنِّى لأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِى صَلاَتِى كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ). ()
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب الحسن والحسين وربما نزل من على المنبر ليحتضنهما شفقة عليهما، فيأخذهما بين ذراعيه ويقول:إنما أموالكم وأولادكم  فتنة، وهذا حصل في عدة مرات. فعن أبى بريدة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان احمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله إنما أموالكم واولادكم فتنة نظرت الى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم اصبر حتى قطعت حديثي فرفعتهما () 
    نعم..الأطفال هم قلوبنا والسمع منا والبصر.
الرابعة:  كما أن الإسلام مع هذه الرحمة وهذه العناية جعل للطفل ما يشعره بأهميته، كما يراعي اهتماماته. ففي كثير من الأحيان تجد النبي صلى الله عليه وسلم يهتم ببعض الأطفال ويلاطفهم ويتجنب فعل ما يكسرهم نفسيا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بأبي عمير الغلام الصغير وكان له عصفور اسمه النغير قد مات فيهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر العصفور  فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ  رضى الله عنه  يَقُولُ إِنْ كَانَ النَّبِىُّ  صلى الله عليه وسلم  لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِى صَغِيرٍ (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ).()
    بل كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوتي بثمار المدينة يدعوا بالبركة والنماء وما إلى ذلك، ثم يدعو أصغر طفل في الحاضرين لأخذ هذه الثمرة والباكورة، يعني أن أصغر الحاضرين هو الذي يفتتح الأكل من هذه الثمرة، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِى مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِى صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِى مُدِّنَا اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنِّى عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَإِنِّى أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ، قَالَ: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ). ()
      الخامسة:كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم  يحرص على أن يعتد الغلام بنفسه، وأنه ليس فضلة في المجتمع أو كيان زائد، فلا يهدر كرامته ولا يحط من قدره أو يتجاهله، كما يفعل بعض الناس حيث يعتبر الواحد منهم الطفل كمًا مهملاً أو نكرة في المجتمع أو عبئا على الأسرة  فهو شئ مهمل في البيت ليس له مع الكبار حقوق لا يتكلم حتى يتكلم الكبار ولا يتحرك حتى يؤذن له، إلى غير ذلك مما قضت به بعض الأعراف الخاطئة، فكان الرسول يعلم الطفل الاعتزاز بالنفس والتعرف على حقوقه، فعن عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ  رضى الله عنه  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ « أَتَأْذَنُ لِى أَنْ أُعْطِىَ هَؤُلاَءِ ». فَقَالَ الْغُلاَمُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِى مِنْكَ أَحَدًا. قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى يَدِهِ.()
 فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة حوله أشياخ كأبي بكر وعمر وغيرهما، وقيل كان الغلام الذي عن يمينه ان عباس، وبلفتة تربوية بليغة يعلم الأمة بأسرها، عبد الله بن عباس يجلس على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم  والأشياخ  يجلسون على يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتي رسول الله بإناء ليشرب فشرب، وأراد أن يناول الحاضرين، ومن السنة بأن يبدأ بمن هو على يمينه وعبد الله بن عباس على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو أعطى عبد الله بن عباس، يكون الصغير شاربا قبل الكبير، ولو أعطى الأشياخ  لخولفت السنة وذلك بتقديم من هو على باليسار قبل اليمين، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الصغير وقال أتذن لي أن أعطي هؤلاء الأشياخ، يعني أئذن لي أن أعطيهم قبلك في الترتيب وفي رواية عند أهل السنن " الشَّرْبَة لَك، وَإِنْ شِئْت آثَرْت بِهَا خَالِدًا "  فقال هذا الغلام لا أوثر بسؤرك أحدًا يا رسول الله، يعني أنا لا استطيع أن أتنازل عن هذا الشرف لأحد مهما كان، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء وشرب قبل هؤلاء الكبار.
ويعلمنا عمرو بن العاص درسا آخر على هذا المنوال  فقد كان في مجلسه جماعة من الشيوخ ولا حظوا وجود الأطفال في المجلس فحاولوا طردهم أو صرفهم عن مجلس الكبار قائلين لعمرو:لو نحيت هؤلاء الأطفال فقال لهم عمرو:دعوهم  فلئن كانوا اليوم صغار فيوشك أن يكونوا كبارا وإنا كنا صغار قوم  وصرنا كبار قوم آخرين.
   إن الرحمة بالطفل الصغير منهج إسلامي، أمرنا نبينا أن نرحم هذه الشريحة من المجتمع سواءا كانوا أطفالا لنا أم لغيرنا فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم، قَالَ:قَالَ
رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبيرِنَا).()
وفي رواية أبي داود: (حَقَّ كَبيرِنَا)
     وإن الملتفت إلى المجتمع الغربي والحضارة المادية يجدها قهرت هذا الطفل الضعيف وكلفته من الأعمال بما لا يطيق وهناك مؤتمرات شتى تنادي بحقوق الطفل مما يدل على أن الطفل عندهم قد أهدرت كرامته، حيث كلف الطفل بالأعمال الشاقة وحمل أمورًا تنوء بها الجبال، وحوادث الاعتداء على الأطفال تتصدر صفحات وأغلفة الجرائد والمجلات عندهم مما دعا بعض العقلاء للمناداة بضرورة الالتفات إلى الأطفال وإعطائهم بعض الحقوق ومع ذلك لم ينالوا معشار ما قرره الإسلام لهم، والعجيب أنهم يتهمون الإسلام بضرورة الاهتمام بالطفل ثم تطرفوا في تقرير هذه المعاني فنادوا بها بلا ضابط ولا رابط تنبئك بذلك مؤتمراتهم الأخيرة عما يسمى بحقوق الطفل وهم آخر من يتكلم عن الطفل لأنهم هضموا حقه أولا ثم تطرفوا في رد حقه إليه آخرا فغالوا ومالوا.. وأخطئوا الطريق أولا وأخرا.! ومن هنا يتبين أن المنهج الإسلامي في الرحمة بالأطفال وسط بين إفراط وتفريط. ويكفينا أن الإسلام يجعل للطفل مكانًا ويهتم به قبل أن يأتي إلى هذه الحياة فيحرم الإجهاض ويجرمه، ويهتم بالطفل بعدما يأتي إلى هذه الحياة  ولا يكلفه من الأعمال ما لا يتناسب مع تكوينه، ويحرص على أن تكون روحه عالية ويراعي الأمور التي تنال من اهتمامات الطفل مبلغا.
    هذه بعض المعالم والدروس والأضواء التي رسم بها الإسلام طريقة التعامل الرحيمة والمثلى إزاء الأطفال. لأنه ينظر إلى الطفل على أنه الشبل الذي ننتظر منه أن يكون أسد الغد وحامل مشعل هداية الأمة، لا كيانا ثقيلا تحاول الأمة أن تتخلص من أعبائه.
         عصمنا الله من الزلل ووقنا شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن.



المنهج الأمثل في تقويم الأطفال
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد
  اختلفت الآراء وتباينت وجهات النظر في الطريقة التي يقوم بها الطفل وقال بعض الناس لا يقوم الطفل أصلاً وإنما يترك لشأنه لأنه طفل و تقويم الطفل جناية عليه وحجر على حريته.... إلخ، وبعضهم تشدد مع الأطفال فضرب وقهر وربما قتل!
النظرة الصحيحة للتقويم:
        والإسلام له نظرة فاحصة في التربية والتزكية، وهي عملية تشمل النفس الإنسانية في كل أطوارها ومراحلها وبالأخص مرحلة الطفولة ونحن نستمدها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
   وإن الطفل الذي ينشأ ولا يعرف ما يسمى بالخطوط الحمراء تكثر جناياته ولا يستطيع المجتمع تقويمه لاسيما والعالم الغربي الآن ينادي بتمديد فترة الطفولة إلى سن الثامنة عشرة، فلا نستطيع أن نحاسب الطفل على خطأ يرتكبه  حتى هذه السن.
وليكن معلوما أن معاملة الإنسان وفق قانون الثواب والعقاب ووفق معايير اللذة والألم لا يعني إهدار آدميته وكرامته.
 وإن جعل الإسلام للطفل حقوقًا فإنه جعل للمجتمع حقوقا أخرى والتوازن مطلوب لسلامة المجتمع بأسره، وبما أن هذا الطفل ينمى ويربى لكي يكون قائد السفينة في المستقبل القريب أو البعيد لابد أن يتعلم كيف يتوازن في علاقته مع الناس.
 إن هذا المنهج الذي علمنا إياه الإسلام وقانا به شرورًا مستطيرة، وإذا ما نامت أعين الرقباء عن الأبناء، ودلل المجتمع نفوس أبنائه أفسدهم  وأفسد على جميع أفراده طعم الحياة،  ولذلك حفل التشريع الإسلامي بالتوجيهات التي من شأنها أن تصون المجتمع من التسيب والانحراف؛ فهناك ما يسمى بالحدود والزواجر وهناك ما يسمى بالتقويم المستمر، وهناك ما يسمى بالتعزيرات وهناك ما يسمى بالنصيحة العامة والخاصة والدين النصيحة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الصعيد الآخر تجد الكلمة الطيبة والتشجيع والقول الميسور وجزاء الحسنى لمن أجاد وأحسن.
 وإن الذين ينادون بعدم عقوبة الطفل أو توجيعه في أية مرحلة من مراحل الطفولة قوم واهمون؛  بدليل أن عاقلا  لا يماري في ضرورة فطام الطفل عن ثدي أمه بطريقة أو بأخرى وإن قطع بكاء الطفل أكباد من حوله!، و لو أردنا ألا نزعجه فلا نفطمه لأن هذا يبكيه وهذا لم يقل به أحد ممن نعرف من عقلاء البشر.
وقديما قال الشاعر:
 والنفس كالطفل إن أهملته شب على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
لابد من الفطام ولابد من ممارسات شتى يقوم بها الوالدان والمجتمع تجعل من هذا الطفل كائنًا صالحا مستقلاً، وإن الناظر إلى المجتمع الغربي الذي جرم عقوبة الأطفال وتقويمهم يجد عجبًا، هذا الرئيس الأسبق كندي يعلن سنة 1962م يقول: أنا قلق على مستقبل بلادي...!  لماذا؟ يقول:من بين كل سبعة يتقدمون للتجنيد ستة لا يصلحون لماذا لا يصلحون؟  يقول:أفسدتهم الشهوات وعدم تحمل المسئولية .. يعترف بأن تقويم الطفل يعلمه كيف يتحمل المسئولية ويستطيع أن يكون قادرًا على إدارة أموره وترك التقويم يفسده ويفسد المجتمع.
 لكن الإسلام جعل هناك لهذا التقويم مراحل فما هي؟ فهل يبدأ المربي بضرب الغلام أو تعنيفه؟
  للإسلام هديٌ سبق به غيره من المناهج سبقًا بعيدًا، ولذا فإن طريقته في التقويم تمر بهذه المراحل: (أولاً) أن نبدأ بالتعليم والتفهيم واللين، كما جاء في الأثر عرفوا ولا تعنفوا (فيض القدير 4/328)، فلابد أن يعرَف الطفل  أولا وأن يتعلم شيئًا فشيئًا ثم بعد ذلك يعرف أن هذا قبيح وهذا حسن ليترسخ هذا في طبعه.
 (ثانيا) ثم ننتقل إلى التهديد، كأن يقول له والده سأضربك أو سأحرمك من المصروف مثلاً إن قصرت في كذا.. وهناك بعض التهديدات التي يهدد بها لا تصدم مع الشرع ولا تصدم مع عقل العقلاء من قريب أو بعيد مثل لن أشتري للك كذا إن أخطأت.
(ثالثا) التعنيف والتوبيخ وهو كالتعزير، ويكون بقدر الجرم الذي ارتكبه وعلى حسب سنه، وعلى المربي أن ينمي في الطفل وازع الخجل من رقابة المجتمع وذلك بعد معرفة ما يحب وما يذم عرفا وشرعا فيأتي الحسن ويتجنب القبيح  وهذا أمر متعارف عليه لدى جل العقلاء، حيث له أعظم الأثر في تكوين الشخصية السليمة والمستقرة.
 (رابعا) المرحلة الأخيرة الضرب غير المبرح...  وهنا طنطن رجال الغرب وقالوا الإسلام يأمر بضرب الأطفال وهذا نبيهم يحرضهم على ذلك قائلا:
 (عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاةَ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ)()
   يعني يضرب الوالد ابنه الذي بلغ عشر سنوات، كيف يكون هذا؟ تعجبوا كما تعجبوا من قوله تعالى (واضربوهن) من سورة النساء، ونسوا أو تناسوا أن مرحلة الضرب مضبوطة بضوابط وهي:
الأولى:أنها ليست هي الأصل وإنما هي استثناء،  فأنت تعظ وتعلم وتزجر وتهدد وقد لا يصلح كل هذا لكن يصلحه الضرب.
الثانية:  وهذا الضرب لا يكون انتقامًا  وإنما هو تربية وتهذيب وكما يقولون: وآخر الدواء الكي.
 فقسا ليزدجروا ومن يك راحما
فلقس أحيانا على من يرحم
فلا يفضي الضرب إلى عاهة أو جناية كما يحصل عند الغرب والحوادث  عندهم أشهر من أن تذكر والتي تفيد أن منهم من يضربون الأطفال حتى الموت، ناهيك عن حوادث الاغتصاب وما شاكلها..
 إن الذين يطلقون الأمر للأطفال على ما يشتهون حتى سن 18  جربوا ذلك ففسدت مجتمعاتهم به فصدروه إلينا...
        تحدثنا الأخبار أن طفلاً أمريكيًا يقتل خمسة وعشرين من ثم يجرح الباقين في منافسة بالمسدسات مع زملائه، وكل يوم حوادث من هذا القبيل، حتى قال بعضهم: المدارس الأمريكية لم تعد آمنة. لأنهم أعطوا الأطفال كل شئ حتى المسدسات والأعيرة النارية ليفعلوا ما يشاؤن!!.
        لقد جرب الغرب ما تدعون       فه هم لما زرعوا يحصدون
  الثالثة:ألا يضرب الوجه وألا يقبح وذلك لأن ضرب الوجه فيه إهانة فهو يفقد الطفل شخصيته وكرامته والحفاظ على الكرامة أولى من إهدارها رغبة في التقويم على تقصير جزئي. وحذار حذار أن يتخذ الضرب وسيلة دائمة لتقويم الأطفال على الإطلاق فإن هذا لم يأمر به الإسلام إلا استثناءًا والأمر في الحديث كما قال العلماء على سبيل الإباحة وليس على سبيل الوجوب والإلزام بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ما ضرب أحدًا قط من خدمه أو أزواجه إلا أن يقاتل في سبيل الله.وعندما تحدث عن ضرب النساء قال:ولا يضرب إلا شراركم).()
الرابعة: وألا يزيد على العشر ضربات أو أسواط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) ()
فلا يضرب المسلم فوق العشر وما دون العشر حول الثلاثة كما قال ابن خلدون وبعض العلماء يعني ضرب تأديب وتقويم.
       إن الإسلام يضع خطوطًا حمراء، ووسيلة الضرب لا يتعمدها الإسلام أو يطلبها ابتداء، وليس لأي أحد وإنما يكون من صاحب الولاية على الطفل، وأن يكون استثناءًا لا اطرادا فليس هو الأصل،  وأن يكون منضبطًا بضوابط الشرع التي ذكرنا بعضها. 
    إن كثرة جرائم الأحداث تنذر بالكوارث و تمديد عمر الطفولة على المتعارف عليه من البلوغ والتمييز  كما قرره الشرع لسن ثمانية عشر، مع رفع وصاية الأبوين والمجتمع عن تقويم الطفل لا يحل المشكلة بل يعقدها، وكيف يتعامل المجتمع مع كيان له كل الحقوق وليس عليه واجب واحد فلا يوجه ولا يحرج ولا يضرب أو يقوم وهو في سن تدفعه لركوب المخاطر ومحاولة إثبات الذات وإن جر ذلك على مجتمعه الويلات؟! وكلنا يعرف مشكلات المراهقين التي تطل علينا من سن الثامنة لا الثامنة عشرة  حتى قال قائلهم:الجنس في الثامنة وإلا فات الأوان!!
وسطية الإسلام
على البشرية أن تعود إلى منهج الإسلام الوسطي في التعامل مع القضية، نحن ضد من يطلق العنان للأطفال ليفعلوا ما يشاءون دون تقويم ودون توبيخ ودون تشديد، ونحن ضد من يقهرون الأطفال ويعذبونهم  ويضربونهم، ويجعلون من ضعفهم متنفسًا لشهواتهم التي تحمل الضغينة والحقد والانحراف  فتسري عن نفسها بالضرب والقهر والإذلال للضعفاء.
وهنا كلمة أخيرة أود أن أذكر بها، وهي أن الإسلام لا يقيم بناء التربية في المجتمع عمومًا على الضرب، فالضرب ليس حلال المشاكل وإنما الضرب قد يكون وسيلة  ولكن إذا لازم الرجل تقويم ولده بالضرب ينشأ الولد مقهورًا جبانًا لا يستطيع أن يتحمل المسئولية،
فالانفلات والتحلل من المسئولية لا ينشئ إنسانا سويا، كما أن الضرب والقهر والتعذيب يهمش الولد ويبدد شخصيته ويحطمها،  والشعوب التي تتربى على القهر لا تتقدم، واليد المرتعشة لا تنتج، ومعاملة الإنسان معاملة الحيوان يحكم قانون الغاب على رقاب البشر مما يكسب المجتمع صفات حيوانية سيئة من نفاق والتواء وانهزامية وحقد وغدر، ومن شأن هؤلاء أن يخرجوا على مجتمعهم وبالأخص على من ظلموهم بعائدة الانتقام.. وكثيرًا ما حصلت جرائم لهذه الأسباب.
نسأل الله الهداية والتوفيق.

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button