منـــزلة اليقظـــــة

إعلان الرئيسية



منـــزلة اليقظـــــة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آلة وصحبة , ومن اقتفى أثرة وسار على دربه إلى يوم القيامة , نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً وأن يجعلنا تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً , وأن يجعل عملنا فيه متقبلاً مبروراً , وألا يجعل فينا ولا منا ولا معنا ولا من حولنا ولا في بيوتنا شقياً ولا محروماً , اللهم أربط على قلوبنا بالإيمان , اللهم نضر وجوهنا بالإسلام , اللهم اجعلنا من الصادقين , اللهم أمتنا مع الصادقين , اللهم أحشرنا مع الصادقين , اللهم أجزنا يوم القيامة بما تجزي به عبادك الصادقين .. وبعد , أحييكم يا أخواني الأكارم ويا أخواتي الكريمات بتحية الإسلام , وتحية الإسلام هي السلام فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته , هذه هي الحلقة الثانية من سلسلة جليلة وعظيمة في   " فقه السير والسلوك إلى الله ملك الملوك " , وقد جاء رجل إلى مولانا الإمام " الفضيل بن عياض " رضي الله عنه وأرضاه فقال له أوصني ؟ فقال له " الفضيل " كم عمرك ؟ قال ستون عاماً , فقال : أنت من ستون عاماً سائر إلى الله , يوشك أن توصل ! فقال له الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون , فقال : أتفهم ما معناها ؟ من علم أنه لله , علم أنه إليه راجع  , ومن علم أنه إليه راجع علم أنه موقوف , ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسئول , ومن يعلم أنه مسئول فليعد لكل سؤالاً جواباً , فهل أعددت لكل سؤالاً جواباً ؟ طبعاً هذا الكلام لا يوجه لمن بلغ الستون , ولا لمن بلغ السبعون , إنما حتى لمن بلغ الثلاثون أو لمن بلغ الأربعون , فأنت لك ثلاثون عاماً سائر إلى الله تعالى ,  متى تسقط ؟ متى تنزل في الحفرة ؟ ليس عندك صك بالموعد الذي سيدق فيه بابك عذرائيل , لا تعرف متى ستموت ؟ ولا أين ستموت ؟ لكنك ماشياً :

وما المـرء إلا راكــب ظهر عمره                                    على سفر يطويه باليوم والشهر
يبيت ويصحـو كـل يـوم وليلـــة                           بعيداً من الدنيا قريباً من القبـر

كل يوم أنت مسافر , وفي السفر محطات لتتزود منها , وفي السفر معالم في سَيـرِك إلى الله تعالى , هذه المعالم جاءت في حديث سيدنا رسول الله , اللهم صلي عليه , قال عليه الصلاة والسلام " إن للإسلام صوى ومناراً كمنار الطريق " ( الصوى) هي جمع صوة وهي الحجرة الضخمة على الطريق من أجل أن توضحها , مثل حجرة المرور مثلاُ , والمنارة هي الشاهد الذي يدلك على أن الطريق من هنا , مثل اليافطات الموجودة على الطرق , وهكذا الإسلام فيه حجر , فيه صوى ومنارات , هذه الصوى والمنارات جُـعلت لك لتعرف أنك فعلاً في الطريق الصحيح إلى الله تعالى , سائر فعلاً بمنهجية مستقيمة إلى الله تعالى , وهذه الصوى والمنارات بعض العلماء جعلها ألفاً , والبعض الآخر جعلها أكثر من ألف , وبعض العلماء جعلها أقل , ومن أكثر الناس الذين صنفوا فيها فأحسنوا التصنيف , الإمام العالم الكبير " أبو اسماعيل الهروي " رحمة الله تعالى عليه , في كتابه " منازل السائرين إلى الله تعالى " هو عدها مائة منزلة , وهذا الكتاب هو الأصل الذي نشرحه لكم في هذه المحاضرات بعدما تصلوا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , وهو أصل هذه المحاضرات , وهو كتاب صغير جداً يتكون من حوالي مائة ورقة , وطبعاً هناك من عمل ألف , ومن عمل خمسمائة ومن عمل مائة , كل واحد إنما قيم هذه المنازل على حسب سيره هو , وبحسب ما وجده هو في سيره إلى الله عزوجل , إذاً كل واحد وصف الطريق الذي اتخذه إلى الله تعالى بحسب حاله هو , وكان أكثر الناس انصافاً وتدقيقاً واستدلالاً من القرآن والسنة كان شيخ الإسلام " أبو اسماعيل الهروي " رحمة الله عليه رحمة واسعة , وهذا الكتاب هو الذي سنعتمده بعدما تصلوا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , اليوم مع أول منزلة من هذه المنازل , أول ما فتح هذا الرجل الكتاب فتحه بهذه المنزلة , وانتبهوا لهذه المنزلة فإن كل المنازل القادمة مبنية عليها , لأنها أصل السير إلى الله تعالى , وأهم شيء للسالك إلى الله تعالى , هذه المنزلة وأرجو أن نصحح هذه المنزلة في البداية لأن تصحيح النهايات مقرون بصحة البدايات كما قال الشيخ " بن عطاء الله السكندري " , من كانت له بداية محرقة كانت له نهايه مشرقة , تريد أن يفتح الله عليك فعلاً حتى تصل إلى آخر الطريق فخذ الأمر بجدية , حاول أن يكون في قلبك حرقة على إرضاء الله عزوجل , حاول أن توجد في نفسك الرغبة لإرضاء رب الأرباب سبحانه وتعالى , أنتم تعرفون الإمام " الشافعي " ولا أعتقد هنا أن أي أحد منا يجهل من هو الإمام " الشافعي " , لما مات عليه الرضوان الأعلى وأخبرت به السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها , ماذا قالت ؟ قالت : كان رضي الله عنه وأرضاه يحسن الوضوء , فمدحته بالبدايات , فإذا كانت البدايات ناجحة فلابد أن تكون النهايات فادحة , فأنت في البداية لابد أن تحضر قلبك معي , ولابد أن تنتبه لأن هذه المنزلة هي أصل المنازل التي سنبني عليها , أول منزلة في السير إلى الله تعالى منزلة إسمها  " اليقظـــة " وهي أصل المنازل , قال " الهروي " وكل المنازل تبنى على هذه المنزلة , كل المنازل مبنية على منزلة اليقظة , فما معنى اليقظة ؟
هو عرفها فقال : واليقظة هي انزعاج القلب لروعة الإنتباه من رقدة الغافلين , فما معني هذا أيضاً ؟ هذا التعريف يختص به العلماء , وحفظ هذه المصطلحات الكبيرة لايهم فالمهم ليس التعريف بينما المهم هو أن تحس بالكلام , المهم أن يصل الكلام إلى قلبك , وعندما جاء هو لـيُعَـِرف " الشوق إلى الله " قال : الشوق هو هبوب قلب لغائب , باختصار : زوجتك التي تحبها ولك فترة طويلة لم ترها , فأنظر إلى قلبك كيف سيكون مشتاق لها ؟ والدك الذي تحبه , أخوك في الله , صحبك , أبيك , كيف تكون مشتاقا ًإليهم ؟ الشوق إلى الله يجب أن يكون أكبر من شوقك إلى هؤلاء , وهذا معنى هبوب قلب لغائب , وأيضاً اليقظة : هي انزعاج القلب لروعة الإنتباه من رقدة الغافلين كما قلنا سابقاً , وهو يريد أن يقول لك هنا , إصحى يا مسلم ! أول الطريق إصحى , ويكون الرد أنا مستيقظ !! أنا صاحي !! وهل يوجد من أحد نائم في أيامنا هذه ؟ نحن مستيقظين , نحن صاحيين حتى ونحن نائمين  !! نأكل ونشرب ونتحصل على أعلى المناصب , فكيف تريدنا أن نستيقظ ؟! والرد هو يمكن أن تكون فعلاً تأكل وتشرب وتجري وتكسب وتصل إلى أعلى المناصب , لكن قلبك نائم عن الله عزوجل , هو يريد هذه , الشيخ " اسماعيل الهروي " يريد اليقظة هنا , في قلبك , يريده أن يستيقظ ,  انزعاج القلب لروعة الإنتباه من رقدة الغافلين , أن لا ترضى على نفسك أن يكون طرفك يقظان وقلبك نائم عن الله عزوجل , لأنك إن صحيت واستيقظت لسوف تفهم , وإذا كنت نائماً فكيف تفهم عندما أقول لك : صلــي , زكــي , أو قم لتصلي قيام الليـل , أو حتى حرك عينيك بالبكاء من خشية الله عزوجل , صلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم , هذا فرد نائــم ! فهل يمكنك التحدث مع شخص نائـم ؟! هو يقول حتى تبدأ السير لابد لك أولاً أن تستيقظ , ولكن كيف تستيقظ ؟ أريدك أن توقظني , أريدك أن تنبهني , أريد أن أسير مثلك , كيف ؟ هنا قال " الهروي " كيف سيجعلك تسير ؟ لأنه ذاق هذه المعاني كلها وعاشها , فإذا أردت أن تستيقظ يقول لك الشيخ " أبواسماعيل الهروي " بأنه لابد من ثلاثة شروط ليتحقق الاستيقاظ , وهذا الكلام علمي ودقيق ولا أريد أن أكرر فيه كثيراً لضيق الوقت :

أول شيء يوقظك : لحظ القلب إلى النعمة ( المنة ) .
ثاني شيء يوقظك : مطالعة الجناية .
ثالث شيء يوقظك : معرفة الزيادة من النقصان من الأيام .
هذا هو الموجز وإليكم الأنباء بالتفصيـــــل .

أولاً : لحظ القلب إلى النعمــة :
أن يحس قلبك بنعمة الله عليك , لأن بعض الناس يا أخوة مغنـى عليهم , لا يرى النعم التي هو عليها , من كثرة الهم والغم والنكد الذي يراه كل يوم لايرى !! حزين , فهو مُغـنىَ عليه , مثله مثل الشخص الذي ذهب لبعض الصالحين يقول له : أنا في هم وغم لا يعلم به إلا الله , ويشتكي له حاله , فقال : أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف دينار ؟ قال : لا والله , فقال له : أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف أخرى ؟ فقال : لا والله , قال : أيسرك أنك مقطوع اليدين ولك عشرون ألفاً ؟ قال : لا والله , فقال له : أيسرك أنك مقطوع الرجلين ولك عشرون ألف دينار ؟ قال : لا والله , قال : أيسرك أنك أصم ولك عشرة آلاف ؟ قال : لا والله , قال : أيسرك أنك مجنون ولك ألف ألف دينار ؟!! قال : لا والله لايسرني أبداً هذا , فقال له : أما تستحي من الله أن تشتكيه وله كل هذه النعم عندك !! وهذا أولاً لحظ القلب إلى النعمة , ولكن كيف ؟ فأنا رجل ضعيف ولا أفهم هذا الكلام الصعب فكيف لي أن أرى هذه النعمة ؟ فقال : لكي ترى هذه النعمة لابد من ثلاثة أشياء , وقال : إنما تصفو بثلاثة أشياء : أولا : بنـــور العقـــل .
ثانيــاً : شـيــــم بـــروق المـنـــــــــة .
ثالثــاً : الإعتبــــار بأهــــل الــبــــــلاء .

أولاً : نور العقــــل :  
أي أن تفتح عقلك , لا تجعله مغلقاً دائماً , عندما تفتحه ترى النعمة بعينيك , إذا فتح لك الله باب الفهم في المنع عاد منع الله هو عين العطاء , لو أنك تفهم ! الشيء المحروم أنت منه , يجب أن تعرف أن ربنا أحسن إليك عندما حرمك منه ! لماذا ؟ لأنه لماذا يحرمك الله منه ؟ إذا ذهبت لأحد الناس وسألته ولم يعطك فإن هذا يكون لعدة أسباب : إما لئيم ( بخيل ) واللئم هو البخل , لأن البخل موضوع في الإنسان "  قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا " وإما يمنعك هذا الإنسان لأنه عاجز , فهل ربنا عاجز ؟ تعالى الله عن ذلك علوا ًكبيراً , وإما يمنع خشية أن تذهب أمواله , ولكن هل يمكن أن تذهب خزائن الله تعالى ؟! وإما ليمنعك لأنه متبرم بك , فهل ربنــا يتبرم ( يتأفف)  بإلحاح الملحين ؟ ربنا يحب الملحين , إذاً ربنا لما يمنعك ؟ أي شيء يجول في خاطرك ويأتي في فكرك من أسباب المنع مستحيل أن يكون مع الله تعالى !! لما ربنا يمنعك فهو يمنعك لكي يعطيك , وكما قال بعض الصالحين " عد منع الله لك عطاءً فإنه منعك لطفاً وما منعك بخلاً " منعك لأنه لطيف بك سبحانه وتعالى , قال " بن الجوزي " تدبرت في هذه الكلمة فكاد عقلي أن يطير !!  فعد منع الله لك عطاءً فإنه منعك لطفاً وما منعك بخلاً , وسيدنا " معاذ بن جبل " لما طـُعن ابنه ( أي أصاب بالطاعون ) وطعنت زوجته , وطعن هو أيضاً !! فماذا كان يفعل عندما يغشى عليه من شدة المرض ؟ كان يقول عليه الرضوان : يارب أخنقني خنقتك , شد علي فعزتك وجلالك إنك لتعلم أن قلبي يحبك يا أرحم الراحمين .

ثانياً : شيم بروق المنة :  
الشيم من شام , يشيم , أي يتلمح ( لمحة ) , البروق جمع البرق ويأخذ ثواني فقط , أما المنة فهو الشيء الذي يأتي لك بدون استحقاق , والمقصود هنا : أن يكون لديك عقل لماح , تلمح منة الله عليك , وقد كان أحد العلماء يقول لابنه " يا بني عندما تقعد على الطعام فلا تقول الحمد لله على الطعام ! فسأله : وعلى ماذا إذاً أقول الحمد لله ؟ قال : قل الحمد لله على أنه تركك لتأكل هذا الطعام , فيمكنه أن لايتركك لتأكل , وكثير من الناس يمتلكون الملايين ولا تعرف كيف تأكل ! اللهم لك الحمد يارب ! فتلمح شيم بروق المنة , مثل الرجل الذي دخل على أمير المؤمنين " الرشيد " وقال له الرشيد : عظنــي ؟ وكان بجانب " الرشيد " شربة ماء , فقال له الرجل : يا أمير المؤمنين : بكم تشتري هذه الشربة إذا منعت عنك ؟ قال : بنصف ملكي , فقال له : اشربها , فشرب الخليفة " الرشيد " فقال له : فإن منعت من تصريفها فبكم تشتري إخراجها ؟ قال بنصف ملكي الآخر , فقال له : فـأف لملك لا يساوي شربة ولا بولة !! هذا الذي يفتدي به الملوك تيجانهم وأنت تأخذه مجاناً كل يوم ولا تنتبه له .

ثالثاً : الاعتبار بأهل البلاء :                                                          
دائماً تنظر لمن هو أسفل منك كما قال عليه الصلاة والسلام "  وانظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا لمن هو فوقكم وذلك حري ألا تزدروا نعم الله عليكم " وهذه يا أخوة قاعدة ضعوها في آذانكم , دائما ًعيشوا في أمور الدنيا مع من هم أقل منكم , وفي أمور الآخرة عيشوا مع من هم أعرف منكم بالله تعالى , والله وقتها سترتاحون راحة ما بعدها راحة , عند هذا تكون أنت قد وصلت , وتكون قد عرفت النعمة , تحس بأنك أنت الشخص الوحيد في الدنيا الموجود عند الله تعالى , كل هؤلاء الناس ليسوا في رعاية الله سبحانه وتعالى , كما قال الشيخ " أبو الحسن الشاذلي " قال : هاتفني ربي فقلت : ياربي كيف أشكرك حق الشكر ؟ قال : بألا ترى مُـنَـعَم عليه غيرك !!  (أي أنك الوحيد الذي أرعاه ) فقال له : وماذا عن الملوك في الدنيا ؟ قال : لأمنك وعدلك , ( يعملون عندك) , قلت والأنبياء ؟ قال : لهدايتك ( حتى يهدوك , يعملوا حتى يهدوك فقط )  , قلت فالدعاة والعلماء ؟ قال : لرعايتك وارشادك .. , وأنك لما تحس بهذا كله تكون قد شكرت الله تعالى , عندما لا ترى منعماً من الله إلا أنت , وهذا أول شيء .

ثانياً : مطالعة الجنـــاية :    
يا أخوة كما الناس في الحس تجد شخص مستيقظ وشخص آخر نائم , الناس هكذا أيضاً في القلوب , تجد من هو قلبه متيقظ , ومن هو ذو قلب نائم , ومن صحى بقلبه صحي بهذه الأمور , تحاول أن توقظ قلبك بعدما تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم , ولكن لماذا مطالعة الجناية تأتي بعد لحظ القلب إلى النعمة ؟ قال : لأنك بعد أن تلحظ النعمة , تقول : خيرة إلي نازل وشري إليه صاعد !! هو يتحبب إلي بالنعم وهو أغنى الأغنياء وأنا أتبغض إلية بالمعاصي وأنا أفقر الفقراء إليه ! إذاً لابد أن تنتبه لمطالعة الجناية , أن تنتبه للجنايات التي ارتكبتها في حق من أنعم عليك سبحانه وتعالى , أنا أريد أن أطالع الجناية , فكيف ذلك ؟ قال بثلاثة أشياء بعدما تصلوا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم , لكي تبحث فيها وتخاف لابد من ثلاثة :

أولاً : بتعظيم الحق :
أن يكون في قلبك مهابة من الله , ولذلك قال " ابن قيم الجوزية " حجاب الهيبة لله رقيق في قلب العبد الغافل عن الله عزوجل , لايهاب ! هو من يعصي الله لماذا يعصيه ؟ يقول " الغزالي " ما عصي الله إلا بأمرين : أولاً : إما بجهلٍ بــه .
ثانياً : أو جهلٍ بشرعه سبحانه وتعالى .

ثانياُ : تعرف نفســك :    
تعرف أنك لاشيء "  يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ  إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ  وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ " أترى هذا المصباح ؟ أنت مثله تماماً !  طالما يدخل التيار على المصباح الكهربائي , يضيء , ولما يذهب التيار عنه يطفأ , هكذا أنت , طالما المدد الإلهي نازل عليك فأنت سائر , ولكن انقطع المدد الإلهي , والله ستصبح لا شيء !! أنت فقير لولا مدد الغني سبحانه وتعالى , أنت ذليل لولا مدد العزيز سبحانه وتعالى , أنت ضعيف لولا مدد القوي سبحانه وتعالى , أنت مفضوح لولا ستر الستار سبحانه وتعالى , ولما تعرف هذا تكون فعلاً بدأت تطالع جرمك في حق الله سبحانه وتعالى , دائماً تقول : أنا ليس لي أحدُ ُ غيرك يارب وهكذا أفعل معك !! أنا يارب الذي كل ذرة في كياني تنطق بأنها فقيرة إليك أفعل معك ذلك ؟ هذا اسمه صدق التوحيد , والشيخ الإمام العالم " ذو النون المصري " قال له مرة شخص : ادعو الله لي يا إمام ! فقال له : إذا كنت هـُيئت في علم الغيب بصدق التوحيد , فكم من دعوة مجابة عند الله لك ؟ وإلا فإن النداء لا ينفع الغرقى !! غرقان في الدنيا وغرقان في منصبك , وغرقان في شهواتك , ثم تقول : ليس لي إلا أنت يارب !! ليس عندك توحيد , مفلس من التوحيد , هكذا تكون مطالعة الجناية بالتعظيم وتكون بمعرفة النفس .

ثالثاً : بالرسوخ في الوعيـــد :      
راسخ , مؤمن , بأن القيامة حق , وأن النار حق , أنت في قلبك يقين بذلك , ولو أن في قلبك هذه اليقين والله فلن تعصي الله سبحانه وتعالى , لو في قلبك يقين بأنك راحل إلى الله تعالى اليوم أو غداً ماتجتريء أبداً على محارم الله عزوجل , كلما ترسخ في الوعيد تخاف , اللهم صلي على سيدنا محمد قال " إن الله لا ينام وما ينبغي له أن ينام , يخفض في القسط ويرفعه , حجابه نور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه !! سبحانه وتعالى " فأنت عندما تترسخ , تعلم أن عندك رب , رب يراك , رب كبير , لك رب يا ظالم , يا من تجتري على خلق الله ؟ لك رب , ولما تكون راسخ في الوعيد لن تجتري على  حرمة الله تعالى , لذلك الشيخ " بن قيم " له كلمة يا أخواني , كلمة في غاية الرقي والجمال والجودة , في هذا المعنى يقول في كتابه " الداء والدواء " ( لم يُـقدر الله حق قدره , من هان عليه أمره فتركه , وهان عليه نهيه فارتكبه , وهان عليه حقه فضيعه , وهان عليه ذكره فأهمله , وكان هواه آثر عنده من الله , وطاعة العبيد أحب إلى قلبه من الحميد المجيد , يستحي من الناس ولا يستحيي من الله , ويخشى الناس والله أحق أن يخشاه , إذا قام في خدمة العبيد , قام بالجد والتشمير والاجتهاد وإذا قام في خدمة ملك الملوك قام بالفتور والكسل والتناد ) هذا أكثر الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله , إذاً هو تحدث عن لحظ النعمة وتحدث عن مطالعة الجناية , ولو أنت وضعت هذان الإثنان في عقلك ستنتبه ولن تضيع الوقت , ولن تضيع مع الضائعين

ثالث شيء : معرفة الزيادة من النقصان من الأيام :  
كيف ذلك ؟ كيف أعرف الزيادة من النقصان ؟ قال : بثلاثة أشياء بعدما تصلوا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

أولاً : بحـــضور مجالــس العلـــم :
تحضر مجالس علم كثيراً , تحضر ولا تكتفي بالسمع فقط , عندها قلبك سيكون حاضراً , يا أخوة سامحوني والله في هذه الكلمة , نحن من سنة ثانية ابتدائي أخذنا والدنا معه إلى المسجد , وسمعنا في العام خمسون خطبة وفي عشر سنوات سمعنا خمسمائة خطبة , وفي عشرون عاماً سمعنا ألف خطبة , وفي أربعون عاماً سمعنا ألفي خطبة , سمعناهم !! هذا طبعاً غير الدروس والمواعظ , وغير الفضائيات , فما الذي وضعناه في قلوبنا ؟ ما الذي كتبناه بعد حضورنا لدرس مثل هذا اليوم ؟ وما الذي بعد أن كتبناه راجعناه ؟ كل سرٍ جاوز الاثنين شــاع , وكل علم ليس في القرطاس ضاع , إذا سمعت اليوم موعظة فكتبها , سمعت كلمة حركت قلبك راجعها , سمعة آيــة ارجع الي بيتك وطالعها , ودائماً فإن العلم الذي لا يروي قلبك فقلته أفضل والله , والعلم الذي لا يدخلك على الله أغلق أذنك ولا تسمعه .

ثانياُ : الإجابة لداعي الخدمة :
والله إن كل كلمة من هذا الكلام تحتاج إلى محاضرة كاملة , لأن كل كلمة تريد شرحاً مفصلاً , فما معنى الإجابة لداعي الخدمة ؟ أي كلما يناديك ربك تعالى إلي ؟ تقل : لبيك يا الله , وتدخل على الله وأنت تريد أن تظبط رأسك , وتريد أن تنور قلبك , فلما تدخل مع الله في الصلاة وأنت تسجد , ليس هناك شيء في رأسك بأنك تسجد , في رأسك أن قلبك ونفسك وعقلك تصعد للواحد الأحد سبحانه وتعالى , هنا تكون الإستجابة لداعي الخدمة , وسيدنا " سليمان " لما مر على أربعة عصافير ذات مرة واقفة على شجرة فقال : أتدرون ما الذي تقوله هذه العصافير ؟ وسيدنا سليمان عليه السلام معلم لمنطق الطير , فقالوا له : لا نعرف يا نبي الله , فقال : هو مؤتمر للعصافير , فقالوا : وماتقول العصافير يا نبي الله ؟ قال : يقول العصفور الأول : ليت هذا الخلق لم يخلق , فقال له الثاني : ويا ليتهم لما خلقوا علموا لما خلقوا , فرد عليه الثالث وقال : وياليتهم لما علموا لما خلقوا عملوا بما علموا ( فهل أحدنا يجهل أن الصلاة في أول وقتها هي أفضل ما تقدم إلى الله , وأكثرنا لا يصلي الصلاة في وقتها , وهل أحدنا يجهل أن من يأتي يصلي الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ؟ وأكثرنا لا يصلي الفجر في جماعة ) ورد العصفور الرابع فقال : ويا ليتهم لما عملوا بما علموا أخلصوا في عملهم !! دخلوا على الله باخلاص , خدموا الله باخلاص , يجب أن نستجيب لداعي الخدمة .

ثالثاً : مصاحبة الصالحين :
الصاحب الصالح يدلك على الله , يحرك وقتك لله تعالى , والصاحب السوء يغريك بالغيبة , بالنميمة , الصاحب الذي يأخذك من زوجتك ومن أولادك ومن عملك ومن مسجدك , هذا أجرم فابتعد عنه لأنه سيعديك , وسيقطعك من الله تعالى , وصحبة الصالحين عندما تجلس مع أحدهم فيقول لك : لقد سمعنا محاضرة اليوم فيها كذا وكذا .. , نريد أن نستيقظ يا أخوة , لانريد النوم , هو هنا يقول لنا : تريد أن تستيقظ أنا أعطيتك ما يكفيك لذلك مثل لحظ القلب إلى النعمة , مطالعة الجناية , ثم معرفة الزيادة من النقصان من الأيام , ولكن كيف لنا أن نحفظ هذه الثلاثة عناصر والموجود تحت كل عنصر منها ثلاثة آخرون : فكيف إذاً سنحفظ هذه التسعة عناصر ؟ قال " أبو اسماعيل الهروي " سأعطيك كلمة وعليك أن تأخذها وستكفيك , وهي مثل المفتاح تماماً , قال " وملاك ذلك كله خلع العادات " هذه الكلمة احفظها عن ظهر قلب , ولكن ماهي العادات ؟ العادات هي كثرة الكلام , وكثرة الطعام , وكثرة المنام , وكثرة الآنام , هذه الأربعة هم العوائد , والناس ضائعة فيها , و لو استطعت أن تهجر هذه الأربعة , فكلما تقلل الأكل  والكلام والأنام ( المخالطة مع الناس ) فإن هذا سيجعلك متيقظاً تماماً , ينبهك , ينورك , ويدخلك على الله تعالى , وهذا هو خلاصة الخلاصة , وسوف نختتم بقصة في هذا المعنى وهي لسيدنا الإمام " إبن قدامة " عليه الرضوان الأعلى في كتابه          " التوابون " قال : إن " مالك بن دينار " رضي الله عنه وأرضاه كان يمشي في الطريق فوجد جارية من أجمل النساء وجهاً لملك من الملوك فقال : أنا أريد أن أشتريكي ؟ وكان شيخا ًوتبدو عليه مظاهر المشيخة , فقالت : أتريد أن تشتريني ؟ وضحكت منه !   وقالت له : تعالى معي إلى سيدي الملك وهو سيبيعني لك ! ولكنها أرادت أن تأخذه لتلعب به , فدخل معها إلى القصر , وذهبت إلى الملك وقالت له : درويش أو شيخ أهبل يريد أن يشتريني ؟ فقال لها : علي به , فدخل الشيخ على الملك وقال له : أتريد حقاً أن تشتري الجارية ؟ فرد بنعم , فقال الملك : وهل تقدر على ثمنها ؟! فقال الشيخ : نعم أقدر على أكثر من ثمنها , فقال له الملك وكم ستدفع فيها يا شيخ ؟ قال : أشتريها بنواتان مسوستان !! فتعجب الملك وقال له : هذا البدر المنور تدفع فيه نواتان مسوستان ؟! قال الشيخ : نعــم , فقال الملك : لماذا ؟ فقال له الشيخ : لكثرة عيوبها , فسأله الملك عن عيوبها فأجابه الشيخ ( وخذ هذا الكلام وضعه على ملكة جمال الكون أو ضعه على أي امرأة شغلتك عن أهل بيتك , تجد نفسك تريد أن تجري والله ) قال الشيخ : إنها إن لم تستكي بخرت , ( إن لم تغسل أسنانها بمعجون الأسنان تصبح رائحة فمها منفرة ) وإن لم تدهن وتمتشط قملــت , وإن لم تتعطر زفرت , ذات حيض وبول وأقذار جمى , ولعلها لا تحبك إلا لنفسها ولا تودك إلا لمصلحتها , لا تفي بعهدك ولا تسبق في وعدك , وإن أخلف عليها غيرك رأته مثلك أو أفضل منك , وأنا عندي بأدنى من ذلك , سآخذ بأقل من هذا جارية لي نبتت بسلالة الكافور , يتحدث عن فوه , لو مزج بريقها أجاج لطاب !!! أي لو وضع ريقها في البحر المالح لأصبح طيباً , اللهم أكرمنا به في الجنة يارب , ولو بدا معصمها للشمس لأظلمت , ولو ظهر سنها في الليل المظلم لسطع من نورها , قعدت في روضة النعيم وغذيت بماء التسنيم , تفي بعهدك وتسبق في وعدك , فأيهما أحق بالثمن ؟ قال الملك : هذه والله , وما ثمنها ؟! ( ماذا أفعل حتى آخذ هذا منك ) قال : ترفع همتك عن الغفلة ولا تسير مع أهل البطالة , تصحى لتجيء غداً في موقف الكرامة مؤيداً وتسكن في الجنة مخلداً , فقال للجارية التي أتت بالشيخ لتضحك عليه : أفصدق أم هو كاذب ؟ ( هي أم أنتي ؟ ) فقالت بل صدق وبـر ونصـح والله العظيم , قال: فاذهبي فأنتي حرة لوجة الله تعالى , ثم تعبد وتصدق بجميع ما عنده , قال " بن قدامة " : فتصدق بجميع ما عنده وبقى يعبد الله عزوجل , حتى جاءه الموت وهو على حال اليقظة مع الله تعالى , أسأل الله تعالى أن يرفعنا لهذه اليقظة , وأن يكرمنا بها , اللهم آمين يارب العالمين , اللهم إنا نسألك عيوناً تبكي من خشيتك  يا أرحم الراحمين , لأن والله يا أخوة عيونا ًلا تبكي تصبح النظارة أحسن منها والله , والله إن لم تبكي العيون من خشية الله , هذه النظارات أشرف منها , نسأل الله تعالى أن يرزقنا عيوناً تبكي من خشيته , نسأل الله تعالى أن يجعلنا فيها من الصادقين , وأن يميتنا مع الصادقين , وأن يحشرنا مع الصادقين , وأن يجزينا يوم القيامة بما يجزي به عباده الصادقين , اللهم إنا نسألك في هذه الساعة أن تغفر لنا أجمعين ,  اللهم لا تصرفنا من مقامنا هذا إلا بذنب مغفور , وإلا بدعاء مقبول , وإلا بعمل متقبل مبرور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون , وسلام على المرسلين , والحمد لله رب العالمين , سبحانك اللهم وبحمدك نشهد ألا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك , بسم الله الرحمن الرحيم  " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتو

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button