الفقر في وطننا العربي

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية الفقر في وطننا العربي

الفقر في وطننا العربي

الفقر في وطننا العربي
الطالب / عبدا لله بن محمد علي القحطاني
الجامعة / جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية  كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية اقتصــاد
المشرف  د/ سليمان بن محمد السدلان

مقدمة
تعتبر ظاهرة الفقر واحدة من أهم المعضلات التي واجهتها المجتمعات والحكومات والنظريات الاجتماعية منذ أقدم العصور.  وفي القديم ارتبطت ظاهرة الفقر بفقدان الموارد أو بالحروب التي تؤدي إلى الاستعباد والقهر.ولذا فإن الأديان السماوية جميعها قد أولت ظاهرة الفقر اهتماماً خاصاً, وبالذات من حيث ارتباطها بتسلط الأغنياء وسعيهم الدائم للهيمنة وكنز الذهب والفضة . أما النظريات الاجتماعية  فإنها عندما درست ظاهرة الفقر لم تفصلها عن الوجه الآخر للعملة ألا هو وجود أفراد أثرياء أو أمم غنية  تجد من مصلحتها الدائمة إبقاء الأمم  الأخرى في حالة فقر مستمر .
وفي تراثنا الإسلامي نجد المقولة الشهيرة لعلي بن أبي طالب - كرم الله وجهه- ((لو كان الفقر رجلا لقتلته )).وفي التراث الفلسفي نجد مقالة ارسطو (( الفقر هو مولد الثورات والجريمة))  فالعديد من الثورات الاجتماعية والسياسات الكبرى في التاريخ الإنساني كان الفقر سببها الرئيسي أو احد أسبابها المهمة . وواحدة من أهم النظريات  الاجتماعية الحديثة ,وهي ((الاشتراكية)), جاءت  بشكل أساسي للتصدي لظاهرة الفقر ومعالجة مشكلة الفوارق  الكبيرة في الثروة بين الأفراد كما بين الأمم. وعلى أساس تلك النظرية بني العديد من الأقطار الحديثة , كما كان لها اثر  مهم توجيه دفة الصراع بين الأمم لعقود طويلة. والنظرية الاقتصادية الحديثة ركزت في جانب مهم منها على قضية (( توزيع عوائد الإنتاج))من وجهة نظر الكفاءة في التوزيع وآثارها في هيكل الإنتاج وفي عملية تخصيص الموارد , سنتطرق في هذه الورقة للفقر فستناول في المبحث الأول تعريف الفقر وخصائصه , وأسبابه , والمشكلات المترتبة عليه , وطرق قياسه , وفي المبحث الثاني سنركز على الأسباب التي أدت إلى الفقر في وطننا العربي وكذلك إلى الخاصية التي يختص بها الوضع الاقتصادي في الوطن العربي وهي التفاوت الاقتصادي بين الدول العربية , وفي المبحث الثالث سنتطرق إلى أهم الحلول لتخفيف حدة الفقر, في الأخر سنطرق لحلول الفقر من وجهة النظر الإسلامية .
الفصل الأول : الفقر- مفاهيم أساسية -
التعريف اللغوي للفقر:
الفُقر: ضد الغنى، مثل: الضَعف، والضُعف. وقيل الفقير أحسن حالا من المسكين، وقد جاء في التنزيل العزيز " إنما الصدقات للفقراء والمساكين"، وقد سئل أبو العباس عن الفقير والمسكين في هذه الآية فقال: الفقير هو الذي له ما يأكل، أما المسكين فهو الذي لا شيء له. وقيل الفقير سمي فقيراً لزمانه تصيبه مع حاجة تمنعه التقلب في الكسب على نفسه.
وخلاصة القول " أن الفقير هو الذي له ما يأكله لكنه لا يستطيع ضمان كسب رزقه وتأمينه على كل حال، وهو أفضل حالا من المسكين".
التعريف الاصطلاحي للفقر
على الرغم من أن الفقر كان سببا ودافعا للعديد من الثورات الاجتماعية , والتغيرات الكبرى , والاضطرابات السياسية الممتدة , وعلى الرغم من أنه كان أيضا مصدر إلهام للفكر الإنساني والفلاسفة والمصلحين الاجتماعين , ولظهور العديد والعديد من النظريات السياسية والاتجاهات الفكرية والأيدلوجية , على الرغم من ذلك فأنه لا يوجد حتى الآن تعريف علمي دقيق لمفهوم الفقر , ويمكن إدراك ذلك من خلال إلقاء نظرة سريعة على الأدبيات الواسعة التي نشرت وتنشر حول هذه الظاهرة الاجتماعية , في الأقطار المتقدمة والنامية , ومن قبل المفكرين المستقلين أو المنظمات الدولية , والفقر من المفاهيم المجردة النسبية , فهو مفهوم يحاول وصف ظاهرة اجتماعية واقتصادية بالغة التعقيد والتشابك من جهة , وهو مفهوم يختلف باختلاف المجتمعات والفترات التاريخية وأدوات القياس , والخلفية الفكرية والأخلاقية للمتصدي لدراسة الظاهرة من جهة ثانية .
والجزء المشترك في تعريف الفقر يدور حول مفهوم " الحرمان النسبي " لفئة معينة من فئات المجتمع , وفي ما بعد ذلك تختلف تلك التعريفات في حدوده ومكوناته . وحتى أن التعريف الشامل الذي حاول البنك الدولي وضعه لهذه الظاهرة , والذي يقول بأن " الفقر هو عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة " فأنه يعتمد بدرجة كبيرة على مفهوم الحد الأدنى , ومفهوم مستوى المعيشة , كما يعتمد بدرجة كبيرة على المجتمع الذي تتم فيه حالة التوصيف , فالفقر في الريف الهندي أو الصيني مثلا , والذي يؤدي أحيانا إلى الموت بسبب الجوع يختلف عن الفقر في أقطار أوربا الغربية أو الولايات المتحدة .
وقد حاول د. محمد بن حسين باقر إيجاد تعريف بأنه " حالة الحرمان المادي الذي تتجلى أهم مظاهرها في انخفاض استهلاك الغذاء , كما ونوعا , وتدني الحالة الصحية والمستوى التعليمي والوضع السكني والحرمان من تملك السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى , وفقدان الاحتياطي أو الضمان لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة والكوارث والأزمات وقد عرف الدكتور عبدالرزاق الفارس الفقر بأنه " عدم القدرة على تحقيق مستوى معين من المعيشة المادية يمثل الحد الأدنى المعقول والمقبول في مجتمع ما من المجتمعات في فترة زمنية محددة " .
والنظرة الصحيحة للفقر: أنه حالة يعجز فيها الإنسان بسبب مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية عن تلبية حاجاته المادية والمعنوية في ظل نظام اجتماعي وثقافي محدد.
 ويتضح لنا من كل ما سبق أن تعريف الفقر قد يختلف من مجتمع إلى مجتمع ومن ثقافة إلى ثقافة بناء على الظروف المصاحبة.
أسباب الفقر:
إن أهم أسباب الفقر يمكن أن تصنف بناء على عدد من الأبعاد التي تسهم في تكوين الفقر وهي:
أولا:  البعد السياسي:
يسهم التوزيع الجغرافي في التأثير على مستوى المعيشة بالنسبة لأفراد المجتمع، وذلك يرجع لقلة الموارد المتاحة للأفراد نظرا لتركيبتها الجغرافية، أيضا العوامل الأمنية وما يعتريها من تغيرات كالحروب التي  تؤثر بشكل قوي على الاقتصاد لأنها تحول دون تقدم عجلة التنمية الاقتصادية وإيقاف أي نشاط أو استثمار في البلد، وبالتالي تقل الموارد المتاحة لأفراد المجتمع وهذا يؤثر على مستوى المعيشة و يسبب تفشي ظاهرة الفقر، كذلك بعض السياسات في بعض المجتمعات وسوء التدبير للموارد وهذا بدوره ينعكس سلبا على المجتمع.

ثانيا: البعد الاقتصادي:
ويندرج تحت هذا البعد ما يعتري النظام الاقتصادي من تقلبات وتحديات يسهم فيها التقدم العالمي والتطور على مختلف الصعد، وعدم استغلال الثروات والإمكانات بالشكل الصحيح، وما يطرأ على الجانب الاقتصادي من تغيير كالعولمة والخصخصة وغيرها.كل هذه العوامل وغيرها لها تأثير إيجابي أو سلبي على أفراد المجتمع ومستوى معيشتهم.
ثالثا: البعد الاجتماعي:
إن ظهور الطبقات الاجتماعية وتمايزها في أي مجتمع يعد بيئة خصبة لظهور الفقر وتدني مستوى المعيشة، لأن ذلك يسهم في وضع خطوط حمراء في التعاطي مع معطيات الحياة ومواردها كل بناء على طبقته ومستواه، وهذا يقلل الفرص في أوجه البعض باختزال الموارد والإمكانات المتاحة، ما يؤدي بدوره إلى ظهور آفة الفقر وتدني مستوى المعيشة.
وكل هذه الأبعاد تعد مكملة لبعضها البعض في إسهامها في نشوء ظاهرة الفقر.
المشكلات المتعلقة بالفقر والمترتبة على الأبعاد الثلاثة السابقة :
من المشكلات المترتبة على ظاهرة الفقر بناء على الأبعاد التي سبق ذكرها ما يلي:
"1- البقاء في دائرة الحروب مما يؤدي بدمار أفراد المجتمع وانهياره ككل.
2- انعدام أو تدني في مستويات الدخل.
3- انتشار البطالة.
4- انخفاض مستوى المهارة وظهور الأمية (الجهل).
5- ظهور وانتشار الأمراض وانخفاض مستوى الرعاية الصحية مما تؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات.
6- نقص وسوء التغذية والتي تؤدي لانتشار الأمراض.
7- تدني مستوى الإسكان.
8- ظهور المشكلات الاجتماعية مثل التفكك الأسري الناتج عن عدم قدرة رب الأسرة على تحمل المسؤولية لباقي أفراد الأسرة والتي تؤدي إلى:
9- عدم تمكين الأطفال من الدراسة، أو الدراسة  الجيدة ، فارتفاع عبء الإعالة الذي هو من أسباب الفقر يؤدي بالآباء إلى التخلي عن مسؤولياتهم في تعليم أطفالهم، وتوفير الظروف الملائمة لذلك، مما يؤدي إلى انتشار الأمية بين الأطفال
10- انتشار الجرائم مثل القتل والسرقات والاختلاس الناتج من انخفاض الدخل ومستوى المعيشة والرغبة في الثراء أو الحصول على المال لسد احتياجات الأسرة.
11- قلة فرص التعليم بالنسبة لأفراد المجتمع.
12- نقص القدرة والضعف الجزئي والكلي عن المشاركة بفاعلية في الحياة الاجتماعية والاستمتاع بثمار التطور الحضاري والتنمية.
13ـ ظهور انحرافات كبيرة على مستوى سلوك الأفراد وأخلاقهم،  ففي الأثر كاد الفقر أن يكون كفرا،  وبالتالي تظهر سلوكيات جديدة تخالف العادات والتقاليد، والدين، حيث أن الفقير غير المتعفف، يجيز لنفسه كل الأمور التي تمكنه من الحصول على لقمة العيش.
14ـ ظهور الآثار الاجتماعية، يؤدي إلى قلة مرد ودية الأفراد، وضعف مستوى نشاطهم الاقتصادي، الشيء الذي يؤدي إلى انخفاض دخل الدول.
مؤشرات الفقر :
بالرغم من أهمية خط الفقر في دراسات الفقر في المجتمع , إلا أنه بحكم تركيبه لا يصلح إلا لغرض تمييز الفقراء من عدم الفقراء في المجتمع , ولا يعطي دلالات أخرى لا تقل أهمية عن مدى عمق ظاهرة الفقر مثلا أو خصائص الفقراء , كما أنه وبسبب طبيعته المحلية لا يصلح للمقارنات الدولية , وبسبب الوزن الكبير الذي تنعكس فيه أسعار السلع وتغيراتها       ( التضخم )  فأنه محدود الفائدة في المقارنات الزمنية حتى للقطر الواحد .
  ومن هنا برزت جهود عدة لتطوير مؤشرات أخرى تحاول سد هذه الثغرات , ولتكميل مؤشر خط الفقر . ون أهم هذه المؤشرات هي :

مؤشر عدد الرؤوس (head count index):
 وهو ابسط هذه المقاييس وأكثرها شيوعيا, ويحاول قياس ظاهرة  تفشي الفقر . وهذا المؤشر يعبر عن عدد أفراد الأسر في المجتمع الذين يقعون تحت خط الفقر وإذا افترضنا أن حجما معينا من السكان ( q) هم فقراء ( أي أن مستوى استهلاك أقل من خط الفقر الذي تم تقديره ) ,وأن حجم السكان يعادل (N) , فأن مؤشر عدد الرؤوس يمكن التعبير عنه بــ :
N/Q = H
وهذا المؤشر يعتبر جيدا لأغراض كثيرة , كما أنه سهل الفهم والشرح , كما أنه جيد لأغراض المقارنة أو لتقييم آثار سياسات تقليل الفقر . ولكنه من جانب أخر , ولأغراض أخرى منها تحليل الآثار المحتملة لبعض السياسات في الفقراء , يعاني نواقص واضحة .
فجوة الفقر ( PROER GAP) :
 ولتكميل المؤشر السابق , فقد تم تقديم مؤشر فجوة الفقر والذي يحاول قياس حجم الفجوة بين دخل الفقير وخط الفقر . وهذا المقياس يحدد كالتالي : لو قمنا بترتيب الاستهلاك في المجتمع بشكل تصاعدي , أي أن الأفقر لديهم (Y1) , ثم الأقل فقرا لديهم Y2.. , وهكذا حتى نصل للفئة الأقل فقرا والتي لديهاY q , والتي بالتعريف ليس أكبر من خط الفقرZ , فأن مؤشر فجوة الفقر يمكن التعبير عنها كالتالي :
PG = I . H
حيث أن (I) هو مؤشر فجوة الدخل ويعبر عنه بــ :
I =Z - Yq/Z
وحيث أن Yq هو متوسط الاستهلاك للفقير .
وهذا المؤشر على الرغم من فائدته أيضا إلا أنه ترد عليه بعض الملاحظات , ون أهمها , أن هذا المؤشر لا يعكس مقدار التفاوت في الدخل بين الفقراء  وعلى سبيل المثال فإن فجوة الفقر ستكون متساوية عندما يكون لدى فردين مستوى من الأنفاق يساوي 50 % من خط الفقر , أو عندما يكون لدى أحداهما 75 % من خط الفقر بينما لدى الثاني 25 % . ففي كلتا الحالتين تكون فجوة الفقر 00,5 وللتغلب على هذه المشكلة , فقد تم اقتراح المؤشر الثالث وهو : مؤشر شدة الفقر .
3- مؤشر شدة الفقـر ( PROVERTY SEVERITY INDEX) :
ويمكن احتسابه من خلال متوسط المربع النسبي لفجوة الفقر :0,20 في مثالنا الأول و0,32 في مثالنا الثاني ويمكن التعبير عنه كالتالي :
PS = 1/n∑( Z- Yi)² /Z*100
وكلما كان مؤشر الفقر عاليا كانت ظاهرة أشد قوة , وأزداد حجم التفاوت بين الفقراء .
الفصل الثاني : الفقر في الوطن العربي :
الباب الأول :
الأسباب التي أدت لوجود الفقر في الوطن العربي
يمكن الوصول إلى عدة أسباب أو عوامل أساسية للفقر يمكن تلخيصها إلى نقاط وهي :
1ـ إخفاق الإستراتيجيات الإنمائية الحكومية وإصلاحات السوق على المستوى الكلي .
2ـ محدودية الفرص أمام بعض الفئات ومنهم ( الفقراء ) لتحصيل الأصول الإنتاجية والاستفادة من الأموال والمؤسسات والخدمات العامة و تسيير شؤونها .
3ـ أعباء الحروب والصراعات الأهلية التي فتكت بالمجتمع العربي قبل اقتصاده , كالحرب على العراق , وكذلك الوضع في فلسطين , وأيضا في لبنان , والسودان , وموريتانيا , والصومال .
4 ـ تسارع النمو الديموغرافي .
5 ـ التدهور البيئي .
6 – محدودية القطاع الخاص وضعفه , وانخفاض تراكم رأس المال , وانخفاض الإنتاجية وذلك مما يحد من ندرة هذا النشاط على توفير فرص العمل , أو منحة أجور مرتفعة .
7- وهناك أسباب أخرى ترتبط بالبطالة والعمالة وهيكل المهارات.
8- من ناحية القطاع الزراعي فأن البيانات تشير إلى أن معدل استخدام العمالة في الوطن العربي قد بلغ عام 1996 ( 52 عاملا لكل 100 هكتار ) في حين أن المعدل نفسه في أمريكا يصل إلى 2 عامل لكل 100 هكتار . أن هذا المعدل يؤشر أولا قله استخدام الآلات والمعدات الحديثة في الإنتاج الزراعي , وثانيا فأنه يعكس وجود بطالة مقنعة وضعف مستوى المعيشة للفلاح لاسيما أذا اشرنا إلى أن نسبة العمالة الزراعية إلى أجمالي العمال يصل إلى 33% في عام 1998 م في لا تتجاوز في العام نسبة الناتج الزراعي إلى الناتج المحلي الإجمالي 13,5% ونصيب الفرد من الناتج الزراعي 297 دولار .
9 – في الأقطار النفطية يلاحظ وجود تركز الثروة بأيدي فئة قليلة من السكان إذ أن الدراسات تشير إلى أن 90 % من الثروة النفطية حصل عليها 20% من السكان في الدول النفطية في حين توزعت باقي الثروة والبالغة نسبتها 10 % على باقي السكان  , أما في الدول غير النفطية فتقول الدراسات أن 20 % من السكان يحصلون على 50 % من الناتج المحلي الإجمالي في حين يحصل 80 % على باقي الناتج أي 50 % .
10 - نقص الصرامة والشفافية في استعمال الموارد إضافة إلى ظاهرة تبذير الموارد والفساد الإداري والاقتصادي .
11 - هيمنة التنظيم البيروقراطي على مختلف المؤسسات مما ينعكس سلبا على تشجيع المبادرات الاستثمارية وخنق كل المشاريع المقترحة لمحاربة الفقر في هذه البلدان .
الباب الثاني :
التفاوت الأقتصادي في الوطن العربي
قبل الدخول بدراسة التفاوت الاقتصادي في الوطن العربي , وجب علينا تصنيف الدول العربية إلى ثلاث مجموعات وهي :
1.    البلدان منخفضة الدخل وتشمل : الصومال والسودان وجيبوتي وموريتانيا واليمن .
2.    البلدان متوسطة الدخل وتشمل : الأردن ولبنان والمغرب ومصر والعراق وتونس والجزائر( مصدرة للنفط ) وسوريا .
3.    البلدان مرتفعة الدخل ( المصدرة للنفط ) : الأمارات وقطر والسعودية والكويت وعمان والبحرين وليبيا .
من خلال هذا التصنيف نلاحظ تفاوتا حادا فيما بينها في الموارد والإمكانات المادية وفي متوسط نصيب الفرد , والغرض من هذا الفصل دراسة هذا التفاوت لأجل تقليله والحد من آثاره الاجتماعية , وتقليل التفاوت بين الحد الأعلى والحد الأدنى للدخول التي يستلمها الأفراد في المجتمع العربي . ويعد النفط أحد الأسباب المهمة التي أدت إلى هذا التفاوت في توزيع الدخول بين الأقطار العربية لأنه يمثل الجزء الأكبر من الناتج المحلي للأقطار النفطية بينما لا يمثل أي نسبة للأقطار غير النفطية ,كما أن التفاوت في امتلاك الموارد المعدنية والطبيعية الأخرى يؤدي إلى التفاوت في الموارد المالية ويؤثر على التراكمات الرأسمالية لتلك الأقطار , بينما الأقطار التي لا تمتلك موارد تحاول الاعتماد على القروض الخارجية لتمويل استثماراتها . وهذا يؤدي إلى تعميق التفاوت في توزيع الدخول بين تلك الأقطار بشكل مطرد . وتواجه في الوطن العربي العديد من التحديات الحضارية والاجتماعية والثقافية منذ مطلع القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر ناهيكم في المستقبل . لذا أصبح من الضروري مواجهة هذه التحديات بشكل جدي وفعال. ويعد التفاوت في توزيع الدخول من التحديات الاقتصادية المهمة التي تواجه الأمة العربية وتشكل تهديدا للتضامن الاقتصادي العربي , والحد منها يشكل أولى الخطوات للتعاون والتكامل الاقتصادي العربي ووصولا إلى الوحدة العربية الشاملة بأذن الله تعالى .ومن المشاكل الرئيسية التي تواجهها مختلف الإقتصادات ولاسيما اقتصاد الوطن العربي هو وجود تفاوت كبير بين دخول الأفراد في الأقطار النفطية وغير النفطية مما يشكل تهديدا للتضامن الاقتصادي العربي , ويبرز هذا التفاوت الذي يعانيه اقتصاد الوطن العربي من خلال التفاوت في متوسط نصيب الفرد بين الأقطار العربية فيلاحظ من خلال المؤشر رقم (1)  أن الأمارات تحتل المركز الأول بأعلى نصيب للفرد الواحد حيث بلغ 22100$ عام 2003 م في حين تحتل قطر المركز الثاني حيث بلغ متوسط نصيب الفرد فيها على 20100 $ وتحتل الكويت المرتبة الثالثة بدخل 17500 $ بينما تحتل الصومال واليمن وجيبوتي المراكز الأخيرة على التوالي , وكذلك يلاحظ أن سبعة دول من الدول الثمان مرتفعة الدخل دول مصدرة للنفط, وهنا تبرز شدة التفاوت بين الدول العربية حيث أن الدول المصدرة للنفط  تفرق بفارق كبير عن بقية الدول العربية ( خاصة في دول الخليج العربي ) , ومن خلال هذا المؤشر نلاحظ أن التفاوت بين الدول غير النفطية  أقل من الدول المصدرة النفط .
الدول
معدل دخل الفرد بالدولار
الأمارات
22100
قطر
20100
الكويت
17500
البحرين
15100
ليبيا
6200
السعودية
11400
عمان
8300
لبنان
4800
الأردن
4300
تونس
6800
الجزائر
5400
موريتانيا
1700
سوريا
3700
مصر
4000
المغرب
3900
السودان
1400
اليمن
800
الصومال
600
حسب احصائيات الCIA لعام2003

وكذلك أيضا من مظاهر التفاوت الاقتصادي في توزيع الدخول يظهر لنا التفاوت في ملكية الناتج المحلي الإجمالي العربي والدخل القومي , فيعد أهم مظهر من مظاهر التفاوت في الإمكانات ولاسيما بين الأقطار النفطية وغير النفطية , فالأقطار النفطية وهي السعودية والأمارات والبحرين وقطر وعمان والكويت وليبيا والجزائر والعراق واليمن استحوذت على 78% من الناتج المحلي الإجمالي العربي والمقدر بنحو 413 مليار دولار في عام 1982 م وعلى 75% منه عام 1992 م والمقدر بنحو 486 مليار دولار في حين أنخفض عام 1998م إلى 68 % من الناتج المحلي الإجمالي العربي والمقدر بنحو 589 مليار دولار , في الوقت فأن الأقطار العربية الباقية وهي الأردن وتونس والسودان والصومال ولبنان ومصر وسوريا والمغرب وموريتانيا وجيبوتي والتي يشكل سكانها 76 % عام 1982 م و75 % عام 1992 م و 62% عام 1998 م من مجموع سكان الوطن العربي حصلت على نحو 22% و 25 % و 32 % على التوالي من الناتج المحلي الإجمالي العربي للأعوام 1982  و1992  و1998 , ومن متابعة الدخل القومي للأقطار العربية نلاحظ التفاوت الكبير بين الأقطار العربية حيث تحتل السعودية أعلى دخل قومي للأعوام 1982 , 1992 , 1998 فيتراوح بين 146 , 121 , 129  مليار دولار على التوالي للأعوام المذكورة آنفا , وهي دولة نفطية بينما لا يصل الدخل القومي  لعشرة أقطار عربية غير نفطية إلا على 66 % من دخلها القومي عام 1982م , ولا يصل الدخل القومي لتسعة أقطار عربية غير نفطية وهي الأردن وتونس وسوريا و لبنان والمغرب والسودان والصومال وجيبوتي وموريتانيا إلا على 65% و84% من دخلها القومي لعامي 92 و1998  . وأيضا من مظاهر التفاوت الاقتصادي في الوطن العربي وجود التفاوت في عدد السكان والكثافة السكانية في وحدة المساحة بين الأقطار العربية , فتمتاز الأقطار العربية بمعدلات نمو سكانية مرتفعة مقارنة بالدول الأخرى , لكنها على مستوى عدد السكان تتفاوت فيما بينها حيث  توجد أقطار ذات عدد نفوس كبير مثل مصر والسودان والمغرب والجزائر والعراق والسعودية التي تبلغ عدد نفوسها عام 1998 نحو 20,22,30,29,33,61 مليون نسمة على التوالي  بينما تسعة أقطار عربية وهي الأردن و الإمارات والبحرين وعمان وقطر والكويت ولبنان وموريتانيا وجيبوتي لا يصل عدد أنفسها إلى 20 مليون نسمه عام1998 ولا تشكل نسبة السكان فيها سوى 7,4% من سكان الوطن العربي . كما تتفاوت الكثافة السكانية على وحدة المساحة بين الأقطار العربية فأقل كثافة في وحدة المساحة في موريتانيا 2 فرد /كم ² ثم ليبيا 3 فرد /كم ² ثم عمان 7 فرد /كم ² ثم السعودية فرد /كم ² ثم الجزائر والسودان 15 , 13 فرد/كم 2 في عام 1998. وأخيرا من ظاهر التفاوت الاقتصادي وجود التباين في ملكية الثروة وعدم التكافؤ في مستويات النمو الاقتصادي :-
يعد النفط احد الأسباب الرئيسة في التفاوت في توزيع الموارد بين الأقطار العربية لأنه يمثل الجزء الأكبر من الناتج المحلي للأقطار النفطية بينما لا يمثل أي نسبة للأقطار غير النفطية . إن  التفاوت في امتلاك الموارد المعدنية ولاسيما النفطية منها يؤدي إلى التفاوت في الموارد المالية, إذ تشكو بعض الأقطار من نقص واضح في التراكم الرأسمالي بينما أصبحت أقطار أخرى مصدرة لرأس المال  . وقد تميزت اقتصاديات الوطن العربي بالنشاطات الاستخراجية والموارد الخام والذي  يعكس بدوره ضعف الطاقة الإنتاجية وتخلف هياكلها . وقد بلغت صادراتها من الموارد الخام والنفط عام 1975 نحو 96%  من مجمل الصادرات و إلى 97% عام 1982 ثم انخفضت عام 1997 إلى نحو 75% بينما لم تشكل صادراتها الأخرى للأعوام 1975 , 1982  سوى 4 % و 3% من مجمل الصادرات زادت إلى 25% عام 1997 . كما ان التفاوت في امتلاك الموارد المائية والأراضي الصالحة للزراعة هو احد أسباب اختلاف الطاقة الإنتاجية الزراعية في الوطن العربي مؤديا بدوره إلى التفاوت في توزيع الدخول , فخمسة أقطار عربية هي السودان والمغرب والعراق والجزائر وسوريا تمتلك أكثر من ثلثي مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في حين لا تمتلك الأقطار العربية الباقية وهي الأكثرية أكثر من ثلث الأراضي الصالحة للزراعة . وفي مجال امتلاك الطاقة ومصادرها فان هناك سبعة أقطار عربية تمتلك 97% من مجمل الاحتياطات العربية للنفط وأربعة أقطار عربية تملك3% من تلك الاحتياطات في حين إن هناك عشرة أقطار عربية يربو سكانها على 97 مليون نسمة لا تمتلك احتياطات سواء كانت نفطية أم غازية . كما يلاحظ أن المساعدات الإنمائية الرسمية للأقطار العربية من جميع المصادر استمرت بالزيادة في الثمانينات في حيث وصلت نسبتها من مجموع المساعدات الإنمائية للدول النامية إلى نحو 20% عام 1990 وبعدها استمرت بالانخفاض إلى أن وصلت أدنى نسبة لها عام 1995 بما يعدل 10% ازدادت قليلا عام 1997 إلى نحو12%.
الفصل الثالث : الحلول للتخفيف من حدة الفقر :
الباب الاول :
الحلول للتخفيف من حدة الفقر من وجهة نظر اقتصادية
لإيجاد الحلول والسياسات التي تساعد في الخفيف من حدة الفقر , لابد من الأيمان بأن مشكلة الفقر لن تحل بين يوم وليلة , ولكنها تحتاج إلى العديد والعديد من السنوات , وكذلك لابد من مشاركة جميع فئات المجتمع من فقراء وحكومة وقطاع خاص وكذلك من الدول العربية الأخرى, وهذه نقاط مختصرة وبسيطة للحد من تفاقم هذه الظاهرة :
1.يجب علينا أن نبدأ بترتيب بيوتنا من الداخل , البيت القطري داخل كل قطر والبيت العربي بين جميع الأقطار العربية . وترسيخ مفهوم الأسرة العربية الواحدة , وعد الثروة لدى أي قطر عربي ثروة قومية ينتفع منها الجميع وليس ثروة قطرية .
2.السعي لتحقيق التنمية الاقتصادية العربية والمتوازنة والقضاء على التخلف والتي يكون أساسها الاعتماد على النفس وتغليب المصالح الاقتصادية العربية على المصالح القطرية الضيقة .
3.العمل الجدي من أجل أقامة كيان اقتصادي عربي قوي وموحد , وتحقيق التوازن العربي الحقيقي أو التكامل الاقتصادي العربي لمواجهة الكيانات الاقتصادية الكبيرة الموجودة في العالم , ومناهضة مبادئ العولمة والنظام الاقتصادي العالمي الجديد .
4.ضرورة فتح الأسواق العربية المشتركة وزيادة التبادل التجاري , والبدء بإنتاج السلع الإنتاجية ونصف المصنعة والسلع الصناعية , أو إنتاج البدائل الصناعية بالتعاون مع بقية الأقطار لغرض ترصين الاقتصاد العربي والتعاون العربي المشترك .
5.ضرورة قيام الأقطار العربية التي تمتلك فوائض مالية بتقديم المعوضات المالية إلى الأقطار الأخرى , أو الأقطار التي تمتلك خبرات فنية أو موارد بشرية فائضة أو عمالة فائضة بالتعاون مع الأقطار الأخرى التي تعاني من شح في هذه الموارد خدمة للتنمية الاقتصادية العربية الشاملة .
6.تهيئة البيئة الاقتصادية المحلية لانطلاقه تنموية ذات أبعاد اجتماعية فعاله,تشجع القطاع الخاص على تفعيل دوره في النشاط الاقتصادي من جهة وتعزيز القدرة على حفز وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية القادرة على توليد فرص عمل جديدة من جهة ثانيه وذلك من خلال إقرار حزمة من التشريعات .
7.السعي لفتح بعض أسواق العمل الخارجية وخصوصا دول الخليج العربي أمام العمالة العربية الأخرى .
8.دعم وتفعيل دور الصناديق الاجتماعية المتخصصة , ,التي تهدف إلى معالجة الفقر بين الأفراد , وتأهيل الأسر الفقيرة بتمهيد السبل أمامها للمساهمة في العملية الإنتاجية بالاعتماد على قوها الذاتية من خلال توفير التمويل للمشاريع الإنتاجية الصغيرة  كثيفة العمالية والمدرة لدخل وتحويل طالبي الوظائف إلى أصحاب العمل .
9.التوجه العام نحو إعطاء الأولوية في الإنفاق الحكومي الرأسمالي للدول العربية للمشاريع ذات الاستخدام الكثيف للعمال.
10.التوسع في برامج التدريب المهني الهادفة إلى تأهيل القوى العاملة وتمكينها من إشغال فرص العمل المتاحة, وخاصة في الأنشطة الاقتصادية التي يمكن أن تستقطب المزيد من القوى العاملة,وتعزيز دور مؤسسات التدريب المهني وزيادة عدد مراكزها لرفع قدرتها على تأهيل القوى العاملة , وزيادة كفاءتها وإنتاجيتها لتتلاءم مع متطلبات سوق العمل وتمكنها من إشغال فرص العمل المتاحة.
11.تقديم برامج لتنمية المشروعات الصغيرة بحيث تقوم هذا البرامج بتمويل المشروعات الصغيرة من خلال تقديم القروض الميسرة للصناعات الصغيرة عن طريق التعاقد مع البنوك وفروعها بالإضافة إلى توسيع وتطوير هذه المشاريع وتقديم خدمات المعونة الفنية من تدريب وتسويق ومتابعة لحل المشاكل الفنية الخاصة بالإنتاج وضبط الجودة . كما تقوم البرامج بتحفيز صغار المستثمرين وتدريبهم على كيفية إنشاء وإدارة المشاريع ,كما لو تساهم تلك البرامج في إقامة الحاضنات الصناعية وحاضنات رجال العمال التي تساهم بتوفير المكان المناسب لإقامة المشروع المناسب لبدء مشروع صغير مع تقديم خدمات شاملة سواء كانت فنيه أو إداريه أو محاسبيه أو تسويقية لمجموعة من المشروعات لتتكامل مع بعضها البعض ,وعندما يصل أي من هذه المشاريع إلى المستوى الاقتصادي الذي يؤهله للاستمرارية بدون دعم من الحاضنة ,يقوم بعدها إلى الانتقال إلى مكان أخر خارج الحاضنة . ومن ابرز هذه المشاريع المشروعات الصناعية والزراعية وكذلك الثروة الحيوانية.
12.تنمية الأنشطة الزراعية : استصلاح الأراضي ,ري, مواشي, الغابات  إضافة إلى  توزيع الأراضي ذات الملكية العامة على الكفاءات  المحلية بنظام التأجير الميسر.
13.أن تقدم الحكومات العربية  التعليم ومنذ مراحله الأساسية  على نفقتها للأجيال الناشئة  مما يمكن من دفع جميع الأطفال للتعليم .
14.السعي إلى إيجاد تقنيات جديدة وإبداعات مبتكره لتأسيس وتطوير الشركات ودعم أنماط الإنتاج والاستهلاك المستديمة من ناحية بيئية ,بالإضافة إلى تطوير أسواق رؤؤس الأموال المخصصة لمشاريع المخاطرة.
15.أن تجعل النظام الضرائبي أكثر رفقة بالعمالة من خلال تقليل عبء الضريبة على العمال.
16.إن اتجاه التنمية يقوم على تعزيز دور القطاع الخاص وتقليص دور القطاع العام .
17.يجب أن تكون المرأة في مركز الاستراتجيات المطبقة ,مع محاربة التميز ضدها وضرورة النهوض بدورها من اجل الوصول إلى نتائج تنموية فعالة.
18.ضرورة توفير قاعدة معلومات وبيانات  وافية عن سوق العمل وعن حجم مشكلتي الفقر والبطالة  وتوزيعهما وخصائص الفقراء والعاطلين عن العمل الاجتماعية والاقتصادية .
19.ضرورة وضع قيود على الاستثمارات الأجنبية المسموح لها في الأقطار العربية وهي أسواق الأسهم  والسندات والعملات ولاسيما في حالة تقديم جهد فعلي أو تحقيق استثمار حقيقي داخل الأقطار العربية .
20. أيجاد إعانات لكبار السن والمتقاعدين لانخفاض دخولهم بصفة عامة , ويكون ذلك أما عبر بطاقات مدعومة , أو مبالغ نقدية , وغيرها من الطرق .
الباب الثاني :
كيف عالج الإسلام مشكلة الفقر ؟
أعلن الإسلام الحرب على الفقر , وشدد عليه الحصار , وقعد له كل مرصد , درءا للخطر عن العقيدة , وعن الأخلاق والسلوك , وحفظا للأسرة , وصيانة للمجتمع , وعملا على استقراره وتماسكه , وسيادة روح الإخاء بين أبنائه .
من هنا أوجب الإسلام أن يحقق لكل فرد يعيش في مجتمعه ما يحيا به حياة إنسانيه لائقة به بأن يتوافر له فيها - على أقل تقدير- حاجات المعيشة الأصلية من مأكل و مشرب و مسكن , وملبس للصيف , وأخر للشتاء , وما يحتاج إليه من كتب في فنه أو أدوات لحرفته , وأن يزوج أن تائقا للزواج .
ولا يجوز في نظر الإسلام أن يعيش فرد في مجتمع أسلامي- ولو كان ذميا – جائعا أو عاريا , أو مشردا محروما من المأوى , أو من الزواج وتكوين الأسرة .
فالإسلام اوجد الوسائل لتحقيق هذه المعيشة ويكلفها لأبنائه جمعها فضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي وهي  :
ý    الوسيلة الأولى :  العمل :
أن كل إنسان في مجتمع الإسلام مطالب أن يعمل , مأمور أن يمشي في مناكب الأرض ويأكل من رزق الله كما قال تعالى { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } .
أن العمل هو السلاح الأول لمحاربة الفقر , وهو السبب الأول في جلب الثروة , وهو العنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان , وأمره أن يعمرها كما قال تعالى على لسان صالح لقومه { يا قومي أعبدوا الله ما لكم من آله غيره , هو أنشاءكم من الأرض واستعمركم فيها }
أن الإسلام يفتح أبواب العمل –إمام المسلم – على مصراعيه ليختار منها ما تؤهله له كفايته وميوله , ولا يفرض عليه عملا معينا إلا إذا تعين ذلك لمصلحة المجتمع , كما لا يسد في وجهه أبواب العمل إلا إذا كان من ورائه ضرر . بشخصه أو للمجتمع - ماديا كان الضرر أو معنويا – وكل الأعمال المحرمة في الإسلام محرمة .
أن هذا العمل سيدر على صاحبه غلة أو ربحا أو أجرا , يمكنه من إشباع حاجاته الأساسية وتحقيق كفايته وكفاية أسرته – مادام النظام الإسلامي هو الذي يحكم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , ويوجهه وفقا لإحكامه ووصاياه . ففي ظل هذا النظام لا يحرم عامل جزاء عمله , وثمرة جهده , بل يعطي أجره قبل أن يجف عرقه , كما أمر الإسلام , ويعطى أجره المناسب لجهده , وكفايته بالمعروف بلا وكس ولا شطط , لأنه أذا أعطي أقل مما يستحق فقد ظلم, والظلم من أشد الظلمات في الإسلام .
ý    الوسيلة الثانية : كفالة الموسرين :
لقد وضع الإسلام – بإيجاب لنفقة القريب الفقير على قريبه الغني – اللبنة الأولى في بناء التكافل الاجتماعي , ولم يكن ذلك امرأ مستحبا بل هو حق أمر الله بإيتائه . وفضل الفقه الإسلامي أحكامه على القريب الذي لا أظن أن الشرائع القديمة أو القوانين الحديثة اشتملت على مثله. ولهذا كان من حق كل فقير مسلم أن يرفع دعوى النفقة على الأغنياء من أقاربه , ومعه الشرع الإسلامي أو القضاء الإسلامي الذي لا يزال اثر منه في المحاكم الشرعية إلى هذا اليوم .
وأشترط الفقهاء لوجوب النفقة على القريب شرطين أساسين :
أحدهما : فقر من تجب له النفقة . فأن استغنى بمال أو كسب لم تجب نفقته لأنها تجب على سبيل المعونة فلا تستحق مع الغنى عنها .
الثاني : أن يكون للمنفق فضل مال ينفق عليهم منه زائد عن نفقة نفسه وزوجته لما جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أبدأ بنفسك ثم بمن تعول ) , ولان نفقة القريب مؤاساة , فيجب أن تكون في الفاضل عن الحاجة الأصلية , ونفقة نفسه من الحاجة الأصلية , ومثلها نفقة زوجته , لأنها تجب لحاجته هو , فأشبهت نفقة نفسه.


ý    الوسيلة الثالثة : الزكاة :
لقد فرض الله لهم في أموال الأغنياء حقا معلوما , وفريضة مقررة ثابتة هي الزكاة , فالهدف الأول من الزكاة هو إغناء الفقراء بها. والفقراء والمساكين هم أول  من تصرف لهم الزكاة ,
والزكاة ليست موردا هينا أو ضئيلا. أنها العشر أو نصف العشر من الحاصلات الزراعية من الحبوب والثمار والفواكه والخضروات وأيضا ربع عشر النقود و الثروة التجارية للأمة , أي 2.5% من نقود أو تجارة كل مسلم مالك للنصاب الشرعي , إذا كان خاليا من الدين, وفاضلا عن  حوائجه الأصلية  ,وهذه الفريضة السنوية لها خصائص مميزة:
أ‌-     فهي ضريبة على الرؤوس والأشخاص لا على الأموال .
ب-هي  ليست فريضة على الأغنياء المالكين للنصاب كزكاة المال , بل فرضها الرسول على  كل مسلم : ذكر أو أنثى  , غني أو فقير. ما دام هذه الفقير يملك مقدارها فاضلا عن قوت يوم العيد وليلته له ولعياله . وهدف الإسلام من ذلك تدريب المسلم على البذل والإنفاق في السراء والضراء , وتعويده على الإعطاء ولتكون يده اليد العليا ,حتى ولو كان محتاجا ممن يستحقون زكاة الفطر.
جـ - وهي لا تجب على المسلم المكلف عن نفسه فحسب , بل عن نفسه ولوده وكل من يمونه ويلي عليه.
د- وقد قلل الإسلام مقدارها بحيث تستطيع الأغلبية الساحقة في الأمة- إن لم نقل جميعها – أداءها.  وهذه المقدار قد حدده الرسول  بصاع من تمر أو زبيب أو قمح . ومثل ذلك غالب  قوت البلد الذي يعيش فيه المكلف .
الزكاة أول ضمان اجتماعي في العالم :
 إن الزكاة بذلك تعد أول تشريع منظم في سبيل ضمان اجتماعي, لا يعتمد على الصدقات الفردية التطوعية, بل يقوم  على مساعدات حكومية  دورية  منتظمة , مساعدات غايتها  تحقيق الكفاية لكل  محتاج : الكفاية في المطعم و الملابس و المسكن وسائر حاجات الحياة, لنفس الشخص ولمن يعوله , في غير إسراف ولا تقتير.
ولم يكن ذلك خاص بالمسلمين وحدهم, بل شمل كل من يعيش في ظل دولتهم من اليهود و النصارى . 
ý    الوسيلة الرابعة : كفالة الخزانة الإسلامية بمختلف مواردها :
إذا كنا بينا أن الزكاة هي المورد المالي الأول  لمعالجة  الفقر , وسد  خلة الفقراء  في الإسلام , فلنضف  إلى ذلك أن جميع الموارد الراتبة لبيت المال ((الخزانة  الإسلامية)) فيها قدر مشترك لعلاج هذا الجانب .
ففي أملاك  الدولة الإسلامية, والأموال العامة , التي تديرها وتشرف عليها .إما باستغلالها,أو بإيجارها أو بالمشاركة عليها وذلك كالأوقاف العامة , والمناجم و  المعادن التي يوجب الإسلام  في أربع مذاهبه ألا يحتجزها الأفراد لأنفسهم , بل تكون في يد الدولة, ليكون الناس كافة شركاء في الانتفاع بها في ريع هذه الأملاك وما تدره من دخل للخزينة الإسلامية , مورد للفقراء والمساكين حين تضيق حصيلة الزكاة عن الوفاء بحاجاتهم .
وفي خمس الغنائم وفي مال الفيء , وفي الخراج وكل أنواع الضرائب حق للمحتاجين والمعوزين . قال تعالى {وأعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } .
ý    الوسيلة الخامسة : أيجاب حقوق غير الزكاة :
وهناك حقوق مالية أخرى تجب على المسلم بأسباب و ملابسات شتى , وكلها مورد لإعانة الفقراء , ومطاردة الفقر من دار الإسلام  ومن هذه الحقوق :
1.حق الجوار : الذي أمر الله برعايته في كتابه , وحض عليه الرسول في سنته , وجعل أكرام الجار من الأيمان , وإيذائه وإهماله من دلائل البراءة من الإسلام , قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره) وقال ( مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )  , ومن الجميل في آداب الإسلام  أنه جعل للجار حقا ولو كان غير مسلما .
2.الأضحية في عيد الأضحى : وهي – في مذهب الحنفية – واجبة على الموسر لحديث ( من كان عنده سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا )  والهدي .
3.الحنث في اليمين : قال تعالى فكفارته (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ) .
4.كفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان , وفدية الشيخ الكبير , والمرأة العجوز, والمريض الذي لا يرجى برءوه .
5.حق الزرع عند الحصاد .
6 .حق الكفاية للفقير والمسكين : وهذه من أهم الحقوق , فأن من حق كل فرد في المجتمع المسلم أن يوفر له تمام الكفاية من مطالب الحياة الأساسية , له ولمن يعوله فإذا كان من مال الزكاة فبها ونعمت , وكفى الله المؤمنين أن يطالبوا بشيء أخر . وإذا لم يكن في مال الزكاة ولا في الموارد الراتبة الأخرى لبيت المال سعة لتحقيق تلمك الكفاية فأن للمال حقا أخر سوى الزكاة كما روى ذلك الترميذي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن فاطمة بنت قيس قالت : سألت- أو سئل- النبي  صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال : ( إن في المال حقا سوى الزكاة ثم تلا هذه الآية التي في البقرة {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب }) .
ý    الوسيلة الخامسة : الصدقات الاختيارية والإحسان الفردي :
وفوق هذه الحقوق المفروضة , وتلم القوانين الملزمة , عمل الإسلام على تكوين النفس الخيرة, المعطية الباذلة , نفس الإنسان الذي يعطي أكثر مما يطلب منه , وينفق أكثر مما يجب عليه ,بل يعطي بغير طلب ولا سؤال , وينفق في السراء والضراء , وبالليل والنهار , سرا وعلانية , ذلك الذي يحب الناس ما يحب لنفسه , بل يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة , ذلك الذي يعد المال وسيلة لا غاية , وسيلة لأنفاق البر بالناس , فيفيض قلبه بالخير فيضا , ويبسط يده بالعطاء بسطا , ابتغاء رضاء ومثوبته , لا حبا في جاه , ولا طلبا لسمعة أو شهرة , ولا خشية من عقوبة سلطان . قال تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسننا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وأليه ترجعون } .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلـــه وصحبه أجمعين

المراجع :
1.     القرآن الكريم .
2.    الحديث الشريف .
3.  دور المشاريع الصغيرة في الحد من الفقر والبطالة في البطالة , وتحديدا قراءة في التجارب المحلية والدولية للحد من الفقر والبطالة في الاردن , أعداد د . حسين شخاترة ,المركز الوطني للبحوث الاجتماعية , صندوق التنمية والتشغيل , الطبعة الأولى 2002 , دار قنديل للنشر والتوزيع .
4.  الفقر والغنى في الوطن العربي , وقائع الندوة العلمية لقسم الدراسات الاجتماعية , 22-23 تشرين أول 2000 م , مجموعة باحثين , بغداد 2002 م
5.    برنامج الأمم المتحدة الإنمائي , تقرير التنمية لعام 1988 م
6.    البنك الدولي , تقرير عن التنمية في العالم , 1990 ( القاهرة – مؤسسة الأهرام 1990 ) ص 41 .
7.    الفقر وتوزيع الدخل في الوطن العربي , للدكتور عبدالرزاق الفارس , مركز دراسات الوحدة العربية .
8.  إشكالية محاربة الفقر في العالمين العربي والإسلامي , د.رابح كشاد , عميد كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير,جامعة سعد دحلب البليدة .
9.  ظاهرة الفقر في العالم العربي والإسلامي، أسبابها،وآثارها, بوشامة مصطفى , محفوظ مراد ,جامعة سعد دحلب البليدة .
10.                       الفقر وعلاقته بالأمية في العالم العربي  , علي المضواح , من الانترنت .
 مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام , فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي , دار العربة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت

التصنيفات:
تعديل المشاركة
Back to top button