الإضافة
إذا قلتَ: [هذا
كتابُ خالدٍ]، فقد نسبتَ الأولَ: [كتاب] إلى الثاني: [خالد]. وبتعبير آخر:
أضفت الأول، ويسميه النحاة: [المضاف]، إلى الثاني، ويسمّونه: [المضاف إليه].
والإضافة صنفان:
1- الإضافة اللفظية(1):
وضابطها أن يَحلَّ مَحَلَّ المضافِ فِعْلُه، فلا يفسد المعنى ولا يختلف.
ففي قولك: [هذا طالبُ علمٍ، وهذا مهضومُ الحقِّ، وهذا
حَسَنُ الخُلُقِ] يصحّ المعنى ولا يختلف، إذا أحْلَلْتَ الفعلَ محلَّ
المضافِ فقلت: [هذا يَطلب عِلماً، وهذا يُهْضَمُ حقُّه، وهذا يَحْسُنُ خُلُقُه].
2- الإضافة المعنوية(2):
وضابطها أن الفعل لا يحلّ فيها محل المضاف؛ ففي قولك مثلاً: [هذا كاتِبُ المحكمةِ] لا يحلّ فِعْلُ [يَكْتُبُ] محلّ
[كاتِبُ]. ولو أحللتَه محلّه فقلتَ: [هذا يكتُب المحكمةَ]، لفسد المعنى.
وفي قولك: [هذا مِفتاحُ الدارِ]، لو أحللت فِعلَ
[يَفتحُ] محل المضافِ [مِفتاح] فقلت: [هذا يفتَحُ الدارَ] لاختلف
المعنى؛ ولو أحللته في مثل قولك: [هذا مفتاحُ خالدٍ] لَتَجَاوَزَ المعنى الاختلافَ
إلى الفساد.
أحكام الإضافة:
· المضاف إليه مجرور أبداً.
· المضاف لا يلحقه التنوين، ولا نونُ المثنى وجمعِ السلامة.
· لا يجوز أن يحلّى المضاف بـ [ألـ]، إلا إذا كانت الإضافة لفظية، نحو: [نَحتَرِم الرجُلَ الحسنَ الخُلُقِ].
· إذا تتابعت إضافتان، والمضاف إليه هو هو، جاز حذف الأول اختصاراً نحو: [استعرتُ كتابَ وقلمَ خالد = استعرتُ كتابَ خالدٍ
وقلمَ خالد]. (انظر المصباح المنير /367) + (الخصائص لابن جني 2/407و409)
· الصفة المشبهة: لا تتعرّف بالإضافة، بل تتعرّف بـ [ألـ]، وعليه قولُهم
في تنكيرها: [زارنا رجلٌ حسنُ الأخلاق](3). فإذا
أُريد تعريفها حُلِّيَت بـ [ألـ] فقيل: [زارنا الرجلُ الحسنُ
الأخلاق](4).
· اسم الفاعل: إن دلّ على مُضِيّ، كانت إضافته حقيقية، فيتعرّف
بإضافته إلى معرفة، نحو: [نحمد اللهَ خالقَ الكَونِ](5).
فإن دلّ
على حال أو استقبال(6)، كانت
إضافته لفظية، فلم يتعرّف بإضافته إلى المعرفة، كنحو قول قومِ (عاد) في الآية: ]هذا عارضٌ ممطِرُنا] (7).
وإن دلّ على استمرار جاز الوجهان. أي:
آ- جاز اعتبار جانب الماضي، فتكون الإضافة حقيقية، نحو: ]الحمد للهِ
... مالكِ يومِ الدين] (8) (الفاتحة 1/2)
ب- وجاز اعتبار جانب الحال والاستقبال (اليوم وغداً)، فتكون الإضافة لفظية، نحو: ]وجاعلُ
الليلِ سكناً] (9) (الأنعام
6/96)
ملاحظتان:
آ- إضافة اسم الفاعل
والصفة المشبهة، يكثر فيها التَّلَوّي والالتواء، هنا وهناك، في هذا الشاهد أو
ذاك. ومن هنا أنّ قارئ كتب النحو واللغة، يظلّ يرى - ما سار معها - آراءً وشروحاً
مختلفةً وتفاسير. ومع ذلك إنّ ما قرّرناه مؤسّس على شواهد من كتاب الله لا
تُنْقَض.
ب- ما يراه القارئ من تكرار الشواهد في المتن والحواشي والنماذج، إنما الغاية منه
تثبيت القاعدة بالتكرار.
*
* *
نماذج فصيحة من استعمال الإضافة
· ]وقال الذين استُضْعِفُوا للذين استَكْبَروا بل مَكْرُ
الليل والنّهَارِ[ (سبأ 34/33)
[مكرُ] مضاف، حُذف تنوينه - على المنهاج - إذ المضاف لا ينوّن. و[الليل] مضاف إليه
مجرور، جرياً مع القاعدة المطلقة: [المضاف إليه مجرور أبداً].
· ]تبتْ يدا أبي لَهَب[ (المسد111/1)
[يدا]: مثنّى مضاف، والمضاف لا يلحقه التنوين ولا نون المثنى وجمعِ السلامة. ولذلك
حذفت نون المثنّى، والأصل: [يدان]، و[أبي] مضاف إليه مجرور- جرياً مع القاعدة
المطلقة: المضاف إليه مجرور أبداً - وعلامة جره الياء، لأنه من الأسماء الخمسة.
و[لهبٍ] مضافٌ إليه ثانٍ مجرور أيضاً - جرياً مع قاعدة: المضاف إليه مجرور أبداً،
وعلامة جره الكسرة.
· ]إنّا مرْسِلُو النّاقةِ فتنةً لهم[ (القمر 54/27)
[مرسلو] جمع مذكر سالم، وهو مضاف، والمضاف لا يلحقه التنوين ولا نون المثنى وجمعِ
السلامة. ولذلك حُذفت نونه، والأصل [مرسلون]. و[الناقة] مضاف إليه مجرور بالكسرة
جرياً مع قاعدة: المضاف إليه مجرور أبداً. والإضافة لفظية، لأنّ فعل : [نرسل] يصحّ
حلولُه محلّ المضاف [مرسلو] فلا يفسد المعنى ولا يختلف.
· ]والصابرينَ على ما أصابهم والمقيمي الصلاةِ[ (الحج 22/35)
[المقيمي]: مضاف، حذفت نونه بسبب الإضافة، والأصل: [المقيمين]. وجاز أن يحلّى بـ
[ألـ]، مع أنه مضاف والمضاف لا يُحَلّى بـ [ألـ]، لأن إضافته لفظية، يصحّ أن يحلّ
محلّه فِعْلُ [يقيمون]، فلا يفسد المعنى ولا يختلف. و[الصلاة] مضاف إليه.
· قال عنترة (الديوان /154):
ولقد خَشِيتُ بأنْ أموتَ ولم
تَدُرْ لِلحرب دائرةٌ على ابْنَيْ ضَمْضَمِ
الشاتِمَيْ عِرْضِي ولم
أشْتُمْهُما والناذِرَيْنِ إذا
لَمَ الْقَهُما دَمِي
[الشاتمي] مضاف مثنى حُذِفت نونه بسبب الإضافة. وجاز أن يحلّى بـ [ألـ]، مع أنه
مضاف والمضاف لا يُحَلّى بـ [ألـ]، لأن إضافته لفظية، يصحّ أن يحلّ محلّه فِعْلُ
[يشتم]، فلا يفسد المعنى ولا يختلف. و[عِرض] مضاف إليه.
· وقال زهير يمدح هَرِم بن سنان (الديوان /153):
القائدُ الخيلِ
منكوباً دَوابِرُها فيها
الشَّنُونُ، وفيها الزاهِقُ الزَّهِمُ
(الشنون:
بين السمين والمهزول، والزاهق: السمين، والزهم: أسمن منه. أراد أنّ دَأْب خَيْلِه
في السير أَضَرَّ بحوافرها).
[القائد]: مضاف، وجاز أن يحلّى بـ [ألـ]، مع أنه مضاف والمضاف لا يُحَلّى بـ
[ألـ]، لأن إضافته لفظية، يصحّ أن يحلّ محلّه فِعْلُ [يقود]، فلا يفسد المعنى ولا
يختلف. و[الخيل] مضاف إليه.
· وقال الفرزدق (شرح المفصل 3/21):
يا مَنْ رأى عارِضاً أَرِقْتُ
لهُ بينَ ذِراعَيْ وجَبْهَةِ الأسَدِ
(العارض: السحاب. وذراعا الأسد وجبهته: من منازل القمر).
الأصل: [بين ذراعَيِ الأسدِ وجبهةِ الأسدِ]، لكنّ الشاعر حذفَ المضافَ إليه
الأول؛ وهو في العربية جائز(10). وذلك أنه
إذا تتابعت إضافتان، والمضاف إليه هو هو، جاز حذف الأول اختصاراً.
· وقال تعالى: ]وجاعلُ الليلِ سَكَناً[ (الأنعام 6/96)
[جاعل] اسم فاعل، مضافٌ إضافةً لفظية، وضابط ذلك أن يحلّ محلّ المضاف فِعلُه، فلا
يفسد المعنى ولا يختلف. وذلك متحقق في الآية، لصحة حلول فِعْل [جَعَلَ]، محلّ
[جاعل]. و[الليل] مضاف إليه. وفي الكفّ برهانان على سلامة ما قلنا. الأول: أنّ
الآية لها قراءة أخرى هي: [وجَعَلَ الليلَ سكناً]. والثاني: أنّ اسم الفاعل عَمِلَ
فنصب كلمةَ [سكناً] مفعولاً به. ولو كانت الإضافة حقيقية لم يَجُز ذلك.