
يعاد نشرها ليس لأن لأن القلم خلا من الحبر، أو أن الذاكرة أصابها الجفاف، ولكن ليعلم جيل اليوم أن في البلد والبلدة، أشخاصا انحازوا مبكرا إلى صف الشعب ولم يغرهم جاه ولا مقعد، بل ظلوا واقفين يمسكون بالورد في اليمنى والجمر في اليسرى.وهم من قالت فيهم أميمة الخليل:
لم يغرهم تاج ومملكة.....لم يثنهم صعب عن الطلب.
ما همهم إلا الربى سلمت .....آياتها من رجس مغتصب.
لم يغرهم تاج ومملكة.....لم يثنهم صعب عن الطلب.
ما همهم إلا الربى سلمت .....آياتها من رجس مغتصب.
اليوم الحديث عن شيء آخر مختلف عن الصراع في مستوياته الصغرى "الميكرو" وإن كانت ذات أهمية لا ينبغي تجاوزها في الحساب السياسي. اليوم الحديث ليس عن رئيس جماعة بلدية أو قروية، ولا عن انقلاب جماعة على رئيس. اليوم الأمر لا يتعلق بصراع ضد القايد الكلاف أو العامل قميحة أو الحاج كبور أو العيادي أو الهمة. اليوم الحديث عن صراع من أجل تحويل البلد ذي الطابع الاستبدادي المطلق أو تلطيفا الاستبداد المخفف. LA DICTATURE DILUEE إلى بلد بنظام ديمقراطي وبدستور للمواطنين وليس للرعايا، يضمن الحريات كل الحريات، والكرامة والعدالة الاجتماعية وفصل السلط بالبركار والمسطرة فصلا حقيقيا لا لبس فيه، وفصل الثروة عن السلطة وفصل الدين عن السياسة، في ظل أجواء ديمقراطية كما تنعم بها كثير من شعوب الأرض.
هذا هو الصراع الذي من أجله لازال مناضلو اليسار واقفين منذ البدايات الأولى للاستقلال الناقص الذي تمت قرصنته قبل أن يرتد إلى الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير طرفهما. هذا هو الصراع الذي انخرط فيه جيل قاسى ويلات المعتقلات السرية والعلنية وشظف العيش في المنافي والاختطافات في "الخناشي" بعد صلاة الفجر. هذا هو الصراع الحقيقي الذي يميز بين اليسار وبين من لا مبرر لوجوده سوى خدمة النظام من داخل نفس نسق النظام، لضمان استمراره في نفس البنيات التقليدية، مقابل ما يغدق عليه من الريوع والامتيازات، ومن كراسي وتيرة وسمينة في الوزارات والبرلمانات والمؤسسات والمجالس المتعددة التي خلقت في الأصل لاستيعاب كل ذي حاجة من الحاجات، حتى ولو كانت بالحساب المقارن مجرد فضلات تشبه فضلات موائد الطعام..
هذا هو الصراع الذي التصق بالأستاذ عباس مصباح ( الأخ الشقيق للصديق خالد مصباح، والمحامي الحالي بهيئة أكادير) موضوع ذاكرة اليوم، منذ سنة 1975 يوم جمعتنا معا مقاعد الدراسة في نفس القسم والحجرة صحبة رفاق آخرين تجاوزوا اليوم الستين سنة ( عبد الله نجباح وعبد العالي بلقايد وادريس لكريني وآخرين)، فكان للأستاذ محمد الحنفي والمرحوم أحمد الحمزاوي ساعتها كثير من الفضل في تلقيح التلميذ عباس باللقاحات الأولية المبكرة ضد ما يمكن أن يصادفه مستقبلا من أمراض مخزنية معدية. وكان لاغتيال الشهيد عمر بنجلون في ذاك الشتاء الدموي البارد، أثره في التلميذ عباس رفقة أقران له اختاروا الاصطفاف المبكر ضد الطغيان، كما كان لجريدة"المحرر" مفاعيلها في شحن البطاريات الخام، لاستكمال الطريق التي ستكون مدينة قلعة السراغنة التي انتقل إليها عباس لاستكمال دراسته الثانوية بثانوية مولاي اسماعيل التي قضى بها سنتين لتعذر وجود ثانوية بابن جرير. وهناك سيترجم التعاطف ميدانيا، وسينضم إلى اللجن الشبيبية لدعم مرشح الاتحاد الاشتراكي المرحوم بوبكر عرش في الانتخابات التشريعية لسنة 1977، وكذا لدعم تجربة الاتحاد الذي مكنته الانتخابات الجماعية من تسيير المجلس الحضري للقلعة.
في سنة الباكالوريا بثانوية محمد الخامس بمراكش، سيلتقي عباس بمن سيزيد في تصليب عوده الغض وتبخيره ببخور اليسار قوية المفعول، والأمر يتعلق طبعا بواحد من خيرة المناضلين المرحوم مصطفى كحيري وعبد الوهاب كحيري، وما كانت تمور به ثانويات مراكش ساعتها من حركة تلاميذية نشيطة وصاخبة، كانت المزود الرئيس للجامعة بالكوادر الشابة المؤهلة لخوض الصراعات الفكرية والسياسية في رحابها.
في الكلية ستتفجر الطاقات النضالية الكامنة عند عباس، وسيتحول إلى دينامو لا يتوقف عن المساهمة في تأسيس التعاضديات والتنظيمات في مقر الاتحاد ب"الرميلة"، وبالموازاة مع ذلك سينخرط في معركة الصراع ضد ما كان يسمى بالاتجاه اليميني داخل الحزب وقيادته، وسينتخب عباس عضوا باللجنة الوطنية للقطاع الطلابي، بعد أن برز كواحد من القيادات الشابة بقدرته على تدبير حلقات النقاش بين الفصائل لكونه كان عنصرا يمتلك قدرة الإقناع أكثر من قوة الصدام.
بعد تأسيس نواة لائحة "رفاق الشهداء للقطاع الطلابي، وبعد بدء المتابعات والملاحقات، سيتم اختطافه من طرف أجهزة "الديستي" واحتجازه لأكثر من أسبوع في سياق حملة الاعتقالات التي شملت عددا من مناضلي مختلف أطياف اليسار عقب أحداث 1984 التي شهدتها مجموعة من المدن المغربية، والتي وصف فيها الملك الحسن الثاني سكان الحسيمة في خطاب متلفز ب "الأوباش".
ولسد الفراغ الذي خلفته الاعتقالات والمتابعات، سينتقل عباس إلى الرباط لمتابعة الدراسة بتنسيق مع القيادة وعلى رأسها القيادي المناضل الفقيد أحمد بنجلون. بعد ذلك سيلتحق عباس بعد جهد جهيد استغرق حوالي سنة من تعطيل بحثه ( نظرا لكونه متابعا) بقطاع المحاماة بأكادير.
في المؤتمر الرابع لحزب الطليعة الذي كان يسمى قبل ذلك بالاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية، سينتخب عباس عضوا في أول لجنة مركزية للحزب، ثم سيتقلد عددا من المسؤوليات الحزبية على المستوى الإقليمي والمحلي بأكادير، كما سينتخب كاتبا لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ثم رئيسا لجمعية المحامين الشباب، ثم عضوا باللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ما يجعله كمناضل حقوقي عضوي لا يتخلف عن متابعة ومؤازرة أي ملف سياسي وحقوقي في منطقة الجنوب.
حاليا عباس عضو اللجنة المركزية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمنسق الحالي لفدرالية اليسار بأكادير، يسعى جاهدا لتكون وحدة اليسار حقيقة تمشي على الأرض بلا زيف ولا تصنع ولا مغامرة غير محسوبة..
من مقاعد الدراسة المشتركة بكوليج ابن جرير بعد نهاية الموسم الدراسي 74/75، لم ألتق عباس طيلة هذه الثلاثة والأربعين عاما، إلا مرة واحدة بمقهى أنوال، وكانت لحظة عابرة خاطفة، لم تتبدل فينا فيها سوى بعض الشعيرات البيضاء التي شرعت ساعتها تغزو الذقن ومفارق الرأس. أما ما انطلق عباس بشأنه كخطاف صغير يحمل بعض تباشير الربيع، فلازال هو هو، مادام الاستبداد قائما، ومادام الاستغلال قائما، ومادام ربابنة سفينة الانتقال الديمقراطي على الطريقة المغربية، ضلوا بنا الطريق وسط المحيط العباب. إلا أن ما أعلمه عن الرفيق عباس هو ما قاله الشهيد عبد السلام المؤذن: ( كل ما أعلمه شخصيا أن في قلبي وصدري من الطاقة ما يجعلني أصمد ضعف هذا العمر إذا لزم الأمر).
هذا هو الصراع الذي من أجله لازال مناضلو اليسار واقفين منذ البدايات الأولى للاستقلال الناقص الذي تمت قرصنته قبل أن يرتد إلى الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير طرفهما. هذا هو الصراع الذي انخرط فيه جيل قاسى ويلات المعتقلات السرية والعلنية وشظف العيش في المنافي والاختطافات في "الخناشي" بعد صلاة الفجر. هذا هو الصراع الحقيقي الذي يميز بين اليسار وبين من لا مبرر لوجوده سوى خدمة النظام من داخل نفس نسق النظام، لضمان استمراره في نفس البنيات التقليدية، مقابل ما يغدق عليه من الريوع والامتيازات، ومن كراسي وتيرة وسمينة في الوزارات والبرلمانات والمؤسسات والمجالس المتعددة التي خلقت في الأصل لاستيعاب كل ذي حاجة من الحاجات، حتى ولو كانت بالحساب المقارن مجرد فضلات تشبه فضلات موائد الطعام..
هذا هو الصراع الذي التصق بالأستاذ عباس مصباح ( الأخ الشقيق للصديق خالد مصباح، والمحامي الحالي بهيئة أكادير) موضوع ذاكرة اليوم، منذ سنة 1975 يوم جمعتنا معا مقاعد الدراسة في نفس القسم والحجرة صحبة رفاق آخرين تجاوزوا اليوم الستين سنة ( عبد الله نجباح وعبد العالي بلقايد وادريس لكريني وآخرين)، فكان للأستاذ محمد الحنفي والمرحوم أحمد الحمزاوي ساعتها كثير من الفضل في تلقيح التلميذ عباس باللقاحات الأولية المبكرة ضد ما يمكن أن يصادفه مستقبلا من أمراض مخزنية معدية. وكان لاغتيال الشهيد عمر بنجلون في ذاك الشتاء الدموي البارد، أثره في التلميذ عباس رفقة أقران له اختاروا الاصطفاف المبكر ضد الطغيان، كما كان لجريدة"المحرر" مفاعيلها في شحن البطاريات الخام، لاستكمال الطريق التي ستكون مدينة قلعة السراغنة التي انتقل إليها عباس لاستكمال دراسته الثانوية بثانوية مولاي اسماعيل التي قضى بها سنتين لتعذر وجود ثانوية بابن جرير. وهناك سيترجم التعاطف ميدانيا، وسينضم إلى اللجن الشبيبية لدعم مرشح الاتحاد الاشتراكي المرحوم بوبكر عرش في الانتخابات التشريعية لسنة 1977، وكذا لدعم تجربة الاتحاد الذي مكنته الانتخابات الجماعية من تسيير المجلس الحضري للقلعة.
في سنة الباكالوريا بثانوية محمد الخامس بمراكش، سيلتقي عباس بمن سيزيد في تصليب عوده الغض وتبخيره ببخور اليسار قوية المفعول، والأمر يتعلق طبعا بواحد من خيرة المناضلين المرحوم مصطفى كحيري وعبد الوهاب كحيري، وما كانت تمور به ثانويات مراكش ساعتها من حركة تلاميذية نشيطة وصاخبة، كانت المزود الرئيس للجامعة بالكوادر الشابة المؤهلة لخوض الصراعات الفكرية والسياسية في رحابها.
في الكلية ستتفجر الطاقات النضالية الكامنة عند عباس، وسيتحول إلى دينامو لا يتوقف عن المساهمة في تأسيس التعاضديات والتنظيمات في مقر الاتحاد ب"الرميلة"، وبالموازاة مع ذلك سينخرط في معركة الصراع ضد ما كان يسمى بالاتجاه اليميني داخل الحزب وقيادته، وسينتخب عباس عضوا باللجنة الوطنية للقطاع الطلابي، بعد أن برز كواحد من القيادات الشابة بقدرته على تدبير حلقات النقاش بين الفصائل لكونه كان عنصرا يمتلك قدرة الإقناع أكثر من قوة الصدام.
بعد تأسيس نواة لائحة "رفاق الشهداء للقطاع الطلابي، وبعد بدء المتابعات والملاحقات، سيتم اختطافه من طرف أجهزة "الديستي" واحتجازه لأكثر من أسبوع في سياق حملة الاعتقالات التي شملت عددا من مناضلي مختلف أطياف اليسار عقب أحداث 1984 التي شهدتها مجموعة من المدن المغربية، والتي وصف فيها الملك الحسن الثاني سكان الحسيمة في خطاب متلفز ب "الأوباش".
ولسد الفراغ الذي خلفته الاعتقالات والمتابعات، سينتقل عباس إلى الرباط لمتابعة الدراسة بتنسيق مع القيادة وعلى رأسها القيادي المناضل الفقيد أحمد بنجلون. بعد ذلك سيلتحق عباس بعد جهد جهيد استغرق حوالي سنة من تعطيل بحثه ( نظرا لكونه متابعا) بقطاع المحاماة بأكادير.
في المؤتمر الرابع لحزب الطليعة الذي كان يسمى قبل ذلك بالاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية، سينتخب عباس عضوا في أول لجنة مركزية للحزب، ثم سيتقلد عددا من المسؤوليات الحزبية على المستوى الإقليمي والمحلي بأكادير، كما سينتخب كاتبا لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ثم رئيسا لجمعية المحامين الشباب، ثم عضوا باللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ما يجعله كمناضل حقوقي عضوي لا يتخلف عن متابعة ومؤازرة أي ملف سياسي وحقوقي في منطقة الجنوب.
حاليا عباس عضو اللجنة المركزية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمنسق الحالي لفدرالية اليسار بأكادير، يسعى جاهدا لتكون وحدة اليسار حقيقة تمشي على الأرض بلا زيف ولا تصنع ولا مغامرة غير محسوبة..
من مقاعد الدراسة المشتركة بكوليج ابن جرير بعد نهاية الموسم الدراسي 74/75، لم ألتق عباس طيلة هذه الثلاثة والأربعين عاما، إلا مرة واحدة بمقهى أنوال، وكانت لحظة عابرة خاطفة، لم تتبدل فينا فيها سوى بعض الشعيرات البيضاء التي شرعت ساعتها تغزو الذقن ومفارق الرأس. أما ما انطلق عباس بشأنه كخطاف صغير يحمل بعض تباشير الربيع، فلازال هو هو، مادام الاستبداد قائما، ومادام الاستغلال قائما، ومادام ربابنة سفينة الانتقال الديمقراطي على الطريقة المغربية، ضلوا بنا الطريق وسط المحيط العباب. إلا أن ما أعلمه عن الرفيق عباس هو ما قاله الشهيد عبد السلام المؤذن: ( كل ما أعلمه شخصيا أن في قلبي وصدري من الطاقة ما يجعلني أصمد ضعف هذا العمر إذا لزم الأمر).
لست ربوت